كتاب

حجاج سلامة: أسرار الحكواتي

حجاج سلامة

الدكتور أسامة خضراوي يستنطق النصـوص الشعبية في حلقـة السّير الشعبية

في كتابه “أسرار الحكواتي: جماليات الحكي.. وذخائر السير الشعبية” – الصادر أخيرا عن معهد الشارقة للتراث – يحاول الدكتور أسامة خضراوي، وإبراز الـدور الأساسي الذي يلعبـه المتلقـي في خلـق تواصـل إيجابـي مـع هـذه النصـوص، ويناقش بعضا من القضايا ذات الصلة بالموروث الشعبي، الذي بات مـن المواضيـع المعاصرة التـي أصبحـت محـط اهتمام العديـد مـن الباحثين والهيئات والجمعيات الثقافية، ويضيء على بعض الإشكاليات التي جعلت ذلك الموروث الشعبي منسـيا تخبئـه بطـون الكتـب ويطولـه الإهمـال.

كما يسعى المؤلف من خلال فصول وصفحات كتابه، إلى تقديم صورة لأحـد تجليـات جماليـة التلقـي لـ “هـانـس روبـر یـاوس”، وإسقاطها عـلى ثنايـا الأدب الشعبي المتمثل في حلقـة السير الشعبية، والتي تمثـل بدورها مـرأة تعكـس واقـع الشعوب العربية التواقة إلى البطولات والملاحم والأمجـاد مــع احتفالا بالفروسية والفارس العربـي بشـيمه وعبادته.

الكتاب الذي تصدرت صفحاته مقدمة ثريّة كتبها الباحث والكاتب القدير الدكتور سعيد يقطين، يغوص بنا في عوالم الأدب والحكي الشعبي – إن جاز التعبير – ليستكشف خلجـات الشـعوب النفيسـة واهتماماتهـا الروحيـة بعـد أن كانـت محجوبـة عنـا، حينمـا كنـا لا نعـرف مـن الأدب الشـعبـي سـوى أنـه خرافات لا صـدق وراءهـا، ووفقا للمؤلف بإن ذلك لـم يكـن إلا بفضـل هـؤلاء الرواة الذيـن قدروا قيمـة الكلمـة في كل صورهـا، فالإنسـان لا ينطق بكلمـة إلا إذا كان وراء ذلـك مـغـزى.

مؤلف الكتاب يطرح بعض التساؤلات منها: إذا كان الفـرد فـد حـرص على أن يضـع اسـمـه عـلى عملـه الأدبـي اعتزازاً بعملـه، وحرصـا منـه عـلى ألا ينسـب هـذا العمـل إلى أي إنسـان آخـر فـهـل يـكـون نصيـب السـير الشعبية والحكايات الإهمـال لمجـرد أنهـا لـم تـكـن مـلـكـا لـفـرد بعينـه؟

أدب يعبر عن روح عصره

ويتوقف بنا عند حقيقة إن الأدب الذاتـي يختلف ولا شك في شكله وتعبيره عـن الأدب الشعبي، وأن الإنسـان الـفـرد الـذي يحرص على أن يـدون اسـمه في تاريخ الأدب، يتحتم أن يكون أدبه محلياً معبرا عن روح عصره.

كما يسلط الضوء على أهمية التلقـي في خلـق عمليـة تواصـل إيجابـي، تتمثـل في محاولـة النبـش في الذاكـرة الشعبية، ونفض الغبـار عنهـا واسـتجلاء مظاهـر التلقـي في هـذا الكنـز الـذي يحتاج إلى إعادة قراءة جديدة، وربـط بـين ماضيـه وحـاضر الأجيال المتعاقبة عليـه، ولفت الانتبـاه لـه كمـا تقـر بذلك الحكمـة المأثـورة: “مـن لـيـس لـه مـاضٍ، ليـس لـه حـاضر ولا مستقبل”.

وينطلق الدكتور أسامة خضراوي، من تلك المقولـة محاولا عبر فصول وصفحات كتابه “أسرار الحكواتي: جماليات الحكي.. وذخائر السير الشعبية” الربط بين الأجيال والتعـرف مـن قـريـب إلى هـذا المـوروث الشعبي الذي يعبر عـن حـضـارة عربيـة أصيلـة، لإبـراز الـدور الأساسي الذي يلعبه المتلقي / الجمهور / السامع / القارئ في خلـق تواصـل إيجابـي يعيـد لهـذا المـوروث حيـاة أخـرى، لأنـه – بحسب المؤلف – بمنزلـة شـاهد عيـان عـلى عـصر مـن العصور، عايشـه الأجـداد، وجـب النهـل مـن مـرامـيـه وعـبره.

ثم ينطلق ليتساءل عن الـدور الـذي يلعبـه المتلقي الجمهـور في صناعـة الفـرجـة؟ ومـا الـوسـائل والأدوات التي يستعملها الحكواتـي للتأثير في هذا المتلقـي؟ أسئلة تلـو أخـرى، ثم يجيبنا عن تلك التساؤلات، كاشفا النقاب عـن جماليات السير الشعبية وطرق حكيهـا.

خلق وعي الشعوب

الكتاب يتكون من تأطير عام وخمسة فصول، وفي التأطير العام تطرق المؤلف إلى مفهـوم الثقافة الشعبية ودورها الوظيفـي في خلـق وعـي الشـعـوب، مـع تبيـان المـجـال الجغـرافي الـذي استقرت عليـه الدراسـة، وهـو جـامـع الفـنـا في مدينة مراكش، وتوضيـح سـبب التسمية والأحداث التاريخية التي عاشـتها ساحة الجامـع، إلى جانب ذكـر المناهـج المؤطرة لهـذا البحـث.

وفي الفصـل الأول: تحدث المؤلف عـن الفولكلـور والأدب الشـعبي وأبرز خصائصه ومفاهيمـه ومكوناتـه، ومكانتـه وأهمية دراسـته ومواضيعه المتعددة.

وفي الفصـل الثانـي: تناول نمـطا مـن الأنمـاط الشـعبية ألا وهـو الحلقـة، مـن خـلال تبيـان مكوناتهـا ومفاهيمهـا وروادها وأنواعهـا مـع اسـتعراض أهـم الممارسات الشعبية التي تناولتهـا والقاموس المتداول لـدى الحلايقـي الحكواتـي.

وفي الفصـل الثالث: تحدث عـن ميكانيزمـات الإبلاغ والتلقي، ونظرية التلقـي وروادها، وأهـم المفاهيم الإجرائية التـي جـاءت بها هذه النظرية.

وفي الفصـل الرابـع: تطرق المؤلف إلى التلقي في الفرجـة الشـعبية، والتجليات السيكولوجية للمتلقي فيها، واختار نموذجا قديماً من العصر العباسي للعتابي، موضحا فيه دور الحكواتي في التأثير في المتلقي/ الجمهـور، والأدوات التـي تؤثـر فيـه مـع الاستعانة بمفاهيـم جماليـة التلقي.

وفي الفصـل الخامـس: تناول دلالات الإبــلاغ والتلقـي في حلقـات السـير الشـعبية، واختار سـيرة الأميرة ذات الهمـة، وسـيرة عنترة بن شداد، وسـيـف بـن ذي يـزن، وأسقط عليهـا مفاهيـم جماليـة التلقـي لتبيـان عنـاصر التأثير في المتلقـي/ الجمهـور، والـدور الذي يلعبـه الحكواتـي في صناعـة الفرجـة الشعبية.

إزالة اللبس والغموض

وقد نجح المؤلف الدكتور أسامة خضراوي، من خلال فصول كتابه: “أسرار الحكواتي: جماليات الحكي.. وذخائر السير الشعبية”، في إزالة الغموض واللبس، وأنار لنا نحن معشر القراء الطريق، لكثير من المعارف والمهارات التي كنا نجهلها عن عوالم الحكواتي الشعبي، وعرفنا بعراقة التراث القديم وثرائه، وأكد لنا على أن الاهتمـام بالمتلقـي جمـهـوراً / قارئا / مخاطباً هـو مـن صلـب النقـد العـربـي القديـم والبلاغـة العربية، التـي أولـت هـذا المتلقـي عنـايـة كبـيرة لتضفي روحـاً جـديـدة عـلى الإبداع والمبدعين.

وفي الختام يمكننا أن نستخلص أهم النقاط التي توصل لها الكاتب من خلال فصول كتابه، ومنها: أن التراث الشـعبي لأي أمـة هـو الـذي يشـكـل لـهـا كل مراحـل الحياة، وهـو السـمة الدالـة عـلى وجـدان الأمـة، وموقفهـا الشـامل مـن الـكـون والطبيعة والإنسـان؛ وهو الأمر الذي أدي لبروز العنايـة بدراسـة الـتراث الشعبي عـلى أسـاس أنـه يمثـل عنـايـة بـكـل مـا هـو عريـق وأصيـل في حيـاة الأمـم.

و ضرورة انفتـاح النقـد بـي عـلى نظريـة التلقـي لتوافـر الأسـباب ووضـوح الأهـداف، وتجديـد المفاهيـم والتصورات، وتطوير الآليات والأدوات، وارتقـاء الغايات برغـم الاختلاف في المراتب والمستويات، وإمكانية القـول إجمـالا بأن نظريـة التـلقـي قـد أحـدثـت نقلة مهمة في اتجـاه حركـة النقـد العربي الحديث، وهذه النقلـة لـم تكـن فقـط ترجمـة وإسقاطا مباشرا لأسـس ومبـادئ هـذه النظريـة على المشهد الأدبـي العربـي، وإنمـا تـجـاوزه أحيانا إلى استثمار بعـض الأسـس للـخـروج بملامـح نقديـة عربيـة خالصـة ، بـدل التأثـر التـام القائم عـلى التقليـد والانبهـار والتبعيـة، و استمرار السـؤال والمراجعـة قصـد تصحيـح الأخطـاء، ودفـع المعرفـة إلى الأمـام.

ومن النقاط المهمة التي يدلنا عليها الكتاب، أن السير الشعبية تختزن في ثناياهـا كـنـزاً قيمياً وأخلاقياً وبطوليـاً ، يتجـذر في المخيـال التاريخـي والاجتماعـي والاقتصـادي المتعـالي عـلى الطبيعـة الذاتيـة للجمهـور، وبذلك تبرز بطولة البطـل الجسدية ونبالتـه الأخلاقيـة مـن خـلال مواقـف إنسـانية متعـددة، بحيـث تجعلـه بطـلا كـامـل البطولـة عـلى كافـة المستويات، سـواء كان البطـل رجـلا أو امـرأة، ولا ريب في أن تأكيـد بطولـة المـرأة يعـد جانبـا مـن الجـوانـب التـي يتميـز بـهـا الأدب في مقارنتـه بـالأدب الفصيح .. وهـذا مـا تكتنزه كل السير، كسيرة الأميرة ذات الهمـة، وسيرة أبـي الفوارس عنترة بن شداد، وسيرة سيف بن ذي يزن.

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى