هاني نديم في حوار مع ذات : ما يقوم به المسرح والتشكيل والشعر تهدمه سكين واحدة
مروان العياصرة
باختصار مع هاني نديم ..
بلا مقدمات ولا تعريف، فهو معروف أكثر ممن يحاول التعريف به
هاني نديم .. ماذا تعني له الكتابة .. لماذا يكتب ..؟
* الكتابة بالنسبة لي جاءت كمتلازمة للقراءات المبكرة التي لا أعرف كيف تورطت بها وفيها باكراً، كانت فكرة الخط العربي والبلاغة العربية التي تحتاج إلى تفكيك وفهم بالنسبة لولد صغير، مغرية لدي أكثر من ألعاب البازل ومشاهدة الرسوم المتحركة، ولأن الشعر كان حاضراً في كل ما أقرأ، أخذني بعيداً. حاولت تقليد ما يقولون من نغم وتقطيع صوتي وتركيب لغوي، إنه بازل بشكل أو بأخر. من هنا بدأ الأمر. إلا أن نهاياته لم تكن كذلك، فقد أصبحت صحافياً، والصحافة خط إنتاج كتابي مستمر، أصبح لدي ما أقوله خارج الشعر والبلاغات.
لماذا أكتب؟ حقاً لا أعرف، الكتابة حاجة قهرية كما يقول روسو، إنها سوسة كما أقول أنا. أكتب ربما لأنني رأيت الكثير بحكم عملي. سافرت العالم وعدت بمواد صحافية خاصة. أجد لذة في نقلها لأصحابي ومن يقرأون في العالم العربي.
– منذ السابعة عشرة- أول الكتابة .. إلى الخمسين .. هل كتبت كل ما تريد ..؟
– لا لا، لم أكتب شيئاً بعد، وإنني أقاتل الوقت قتالاً لأكمل مشاريعي الكتابية الخاصة وسط موج الصحافة العاتي، أكاد لا أنام، لدي مشاريع عدة أعمل عليها كالمجنون، آمل ان أنتهي منها.
– ماذا يعني لك
الشعر :
دكتور تجميل ناجح جداً لهذه “الدنيا” العجوز والقبيحة والتي هرمت وأصبحت أكثر بشاعة.
الصحافة :
المهنة الأكثر شرفاً على الإطلاق، إن كانت وفق معاييرها الأخلاقية النبيلة. إنها متعة المتع، الصيد والجمال والحب والسفر في سطرين.
الغناء :
مدونة الشعوب بهويتها الأولى، لهذا أعشق الأغاني الشعبية ومنها أفهم الكثير، إنها الفسحة الأكثر جمالاً بين بقية الفنون.
– القراءة لدى هاني نديم الشاعر والكاتب.. والقراءة لدى أي كاتب، القراءة لدى غير الكاتب.. هل يختلف الهدف، أعني ماذا يقرأ هاني نديم، هل تبدو القراءة كتابة مؤجلة؟
* أعتقد أنها الفعل الأول لأي كتابة، هي الاستقلاب الذي يؤدي إلى الكتابة دون أدنى شك، إن آلاف الأفكار والعناوين التي كتبت تعيد تدويرنا من جديد، بل قد تعيد خلقنا إن جاز التعبير. بالنسبة لي كتبت قصتي مع القراءة في كتابي “فهرست ابن النديم” لعله ينفع في عارض الإجابة هنا: قرأت قبل نطقي في حالةٍ نادرة تجعلني أفهم ولا أشرح، ما جعلني لاحقاً أحمل متلازمة “الدسلكسيا”، أو ما تعريفه عسر القراءة رغم صلاح النطق، إنما كان الأمر معكوساً لدي، عسر النطق مع صلاح القراءة التام. لا أعرف مصطلحها الطبي إنما يعرّف أرخيتاون هذه الحالة بأنها مرض “اللغة الصامتة”. كنت أقرأ بشكل أسرع من الآخرين بأضعاف، إنما نطقي كان متردداً جداً، على أنني لا أمتلك أي نوع من أمراض النطق. لا أتلعثم ولا أتأتئ ولا ألجلج ولا أتمتم ولا ألثغ، إنما كنت أخاف من النطق واللغة وإدارة الحوار، كنت وما زلت حتى هذه اللحظة أتردّد في سرد أية جملة بعد اللوازم، ربما لهذا أكتب.
– كيف تقرأ المشهد الثقافي العربي .. مشوشا .. مهزوزا .. أم مازال متماسكا.. ؟.
* ما الذي في المشهد العربي اليوم غير مشوش ومهزوز، دول بأكملها تكاد تضمحل وتذهب برمتها من على الخريطة، إن ما يحصل اليوم في وطننا العربي لم يكن ليتخيله أحد، هذا ينعكس على الثقافة التي تضطلع بدورها فيما يحصل اليوم بشكل أو بآخر. إننا نعاني تصدعا خطيراً جداً على كل الأصعدة. المشهد مربك ومشوش، ومع الميديا الجديدة انحسر دور المثقفين الحقيقيين والنوعيين بعدما كانوا في الصدارة، وتقدم المشهد خبراء الميديا شو والنجوم الثقافيين، وهذا لا يعني أنهم سيئون جميعاً بالضرورة، ولكن يمتلكون مقاييس تتسق مع المسارات الجديدة قد يكون الأدب والفكر آخرها.
– الثقافة العربية .. هل مازالت ثقافة منافسة للثقافة العالمية في عالم مفتوح ومتقارب جدا .. ؟
* يؤسفني القول أننا خرجنا من لعبة الثقافة العالمية منذ زمن بعيد، وآمل أن أكون غير دقيق في هذا. بصفتي صحفي أبحث دائما في سفري حول العالم عن الأسماء العربية المترجمة، في المكتبات العامة والخاصة وبين المثقفين، لديهم أسماء مكرسة ومنتشرة يترجمون لها بحكم العادة، درويش وأدونيس وإدوار سعيد وبضع أسماء أخرى. أفرح كثيراً حينما أرى روايات جديدة مترجمة لأبناء جيلنا، اليمني علي المقري -على سبيل المثال – الذي فاز بوسام فرنسي رفيع مؤخراً، أو خالد خليفة الروائي السوري وعلي بدر وأحمد السعداوي ومحسن الرملي من العراق. إلى جانب الكتاب العرب الفرانكفونيين، مثل أمين معلوف ورشيد بوجدرة والآخرين. إننا تقريباً لولا “الأدب” لا يعرف الغرب عنا شيئاً. الفكر، الفلسفة، التأريخ، وعموم الثقافة العربية لم تعد متواجدة ولم يعد هناك من يطالب بها بعد كل تلك الخسائر البينة. الخسائر على كل الأصعدة.
– هل يمكن أن أسالك حول أهم خمس دول تشكل ثقافة العالم اليوم .. أم أن السؤال هكذا غير ممكن ؟
* لعله سؤال مربك جداً، لأنني مضطر أن أقول أن أمريكا الأكثر تأثيراً. إنها تصرف بوعي كامل على الثقافة والسينما والفن والأدب والمسرح والموسيقا ووبقية الفنون كسلاح يؤازر ماكدونالدز وهارديز وفورد وجي ام سي. إلى جانب أنها مع التراكم تنتج يومياً بصفتها المنتصر ما يدعم حضورها الكامل ويبرر وجودها العسكري.
أعتقد أن العالم لم يتغير كثيراً، أمريكا، بريطانيا، فرنسا، إسبانيا بحكم لغتها التي تتبعها قارة كاملة، والصين القادمة بقوة إلى المشهد.
– الحوار بين الثقافات لا يعني قتل الاختلافات، بل توخي عدم السقوط في الخلافات .. هل تؤمن بحوار الثقافات والحضارات؟
– يتزامن هذا الحوار مع طعن سلمان رشدي في نيويورك، وهي حادثة مدانة بغض النظر عن أهمية رشدي وكتبه، إنما لأهمية فكرنا الذي لا يجب أن ينحدر تحت أي سببٍ في وقت لا بد فيه من الحوار وطرح الأفكار المتنورة وتقديم أفضل صورة لنا في عالم مضطرب.
في كتابي “فهرست ابن النديم” حاولت التقاط الجامع بين الشعوب حول العالم، إنها الفنون فقط!، الأفكار تتطرف طالما أنها دون حماية قانونية، بل وحتى وهي تحت القانون، هنالك متطرفون هندوس ومسيحيون ومسلمون وملحدون أيضاً. الأمر معقد للغاية. التصورات المسبقة تخنق العالم وما يقوم ببنائه المسرح والتشكيل والشعر والموسيقا، تهدمه سكينٌ واحدة. الأمر معقد أكثر مما كنت أتخيل قبل سفري المتصل وقبل أن أغادر دمشق.
Views: 38
Hi, this is a comment.
To get started with moderating, editing, and deleting comments, please visit the Comments screen in the dashboard.