كتاب

الأردن الممكن لـ “الغرايبة”: كتاب يتحدث عن نفسه “1”

في مقدمة كتاب “الأردن الممكن لـ “إبراهيم الغرايبة”، والذي يعد أهم ما صدر من كتب خلال المئوية الأردنية المنصرمة، وأعمقها وأكثرها جرأة في السؤال والمساءلة والتفسير.. يقول الغرايبة :

إبراهيم غرايبة

يعيد الأردنيون اكتشاف أنفسهم بعد مائة عام على قيام دولتهم الحديثة، لم يعد ينقص الأردن بعد قرن من الزمان وما تحقق من استقرار ومؤسسات وتعليم ومواصلات واتصالات وانترنت وطرق وتحضر سوى “الأردنيين”!

الأردنيون الذين كان لهم نوابهم المنتخبون في مجلس نواب الدولة العثمانية منذ منتصف القرن التاسع عشر، وبلدياتهم المنتخبة (إربد 1881، السلط 1882، الكرك 1893 الزرقاء 1904، مأدبا 1904، عان 1909 جرش 1910 سحاب 1912 الطفيلة 1914 عجلون 1920..

و – كان لهم – نخب اجتماعية وسياسية وشعراء ومثقفون يملكون رؤية معقولة للمكان وأحلام الناس وتطلعاتهم، مثل عرار مصطفى وهبي التل وعقيل أبو الشعر؛ يبدون برغم ما يتمتعون به من تعليم متقدم وأعداد كبيرة من الجامعيين والمهنيين كأنهم تائهون، في مدن عشوائية، بلا أحزاب سياسية أو جماعات تأثير فاعلة أو منظمات مدنية حقيقية، أو حياة فنية وثقافية تنظم خيال الناس وتمضي بهم إلى حياة أفضل..

لأنه وببساطة كان تحديثاً تجاهل المواطنين والمجتمعات والمدن، ولم تكن النخبة ترى الأردنيين، وكان الأردنيون لا يرون أنفسهم أو أنهم يعرفون أنفسهم كما يراد لهم أن يكونوا، ووافق ذلك بالطبع مزاج مؤثر نحو الهرب والاقتلاع، و… المؤقت! ولكنه مؤقت دام قرنا من الزمان.

الأردنيون اليوم يواجهون ما ظلوا يهربون منه أو يحرمون منه، وهو أن يشكلوا أنفسهم في مدنهم وبلداتهم ليتولوا هم بأنفسهم الطاقة والماء والتعليم والصحة والخدمات والتنظيم الاجتماعي والحضري والثقافة والفنون والرياضة والمعابد..

أو ببساطة أن يكونوا مواطنين، يمارسون مواطنتهم، وتجمعهم ببعضهم تلك القضايا والأولويات التي تجمع كل المدن على هذا الكوكب، وأن يختلفوا ويتحدوا ويتعاونوا ويتجادلوا في تشكلهم وفق الرؤى والبرامج والآراء التي تنشأ لتنظيم العلاقة بين الناس ومواردهم وأولوياتهم، وتحكم علاقتهم بالدولة والأسواق..

فتكون هناك أحزاب سياسية وجماعات اجتماعية ومنظمات وجمعيات وشركات وأسواق ومدارس وجامعات وحدائق ومكتبات وصحف وإذاعات يمولونها هم بأنفسهم أو يشاركون في تمويلها وملكيتها.. وبطبيعة الحال يمارسون الولاية على شؤونهم واختياراتهم، وفق ما يتشكل لديهم من أفكار وخيال!.

إلى أن يقول في المقدمة الثرية والعميقة :

لقد تحول المجتمع وفي سرعة إلى أرتال من الموظفين ومقدمي الخدمات يعتمدون في كل حياتهم ومواردهم وعلاقاتهم على الدولة والأسواق والعلاقات المحيطة والمرتبطة بها أو في الدول العربية النفطية؛ الخليج وليبيا والجزائر والعراق..

انتهت المدن والبلدات والقرى كمجتمعات مستقلة تنظم نفسها وتدير مواردها واحتياجاتها وأولوياتها كما تنتخب وتختار قياداتها الاجتماعية والسياسة وفق منظومة تفاعلها مع هذه الموارد والأولويات والعلاقات..

والحال أنه لم يعد لدينا مجتمعات ولا قيادات وأطر اجتماعية وتنظيمية تعبر عن الناس وتعكس أولوياتهم ورؤيتهم ورسالتهم، ..

لم يكن الأردنيون وهم يواجهون الخصخصة والتحولات سوى مجموعات من العمال لا يختلفون من وجهة نظر القادمين الجدد عن العمالة الوافدة وحتى السائبة، ولم تكن هذه العلاقة الجديدة محكومة باعتبارات اقتصادية وتجارية فقط، لكنها أيضا مشحونة بذاكرة اجتماعية راسخة وعميقة النفور والاستخفاف المتبادل، وأسوأ من ذلك عدم الفهم المتبادل.

Views: 11

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى