نص

نبيل صالح : في معنى الحداثة مقاربة في سياقها العربي

نبيل علي صالح

باحث وكاتب سوري

كلماتٌ ومفاهيم ومصطلحات كثيرة درج الفضاء الثقافي (والقاموس) الكلامي العربي على تداولها والتعاطي معها، ومحاولة فهمها نظرياً ورؤيوياً، ومن ثم مقارنة ومقايسة أوضاعنا العربية بناءً عليها.. ومنها مفهوم أو مصطلح الحداثة.. وما لاحظته من خلال متابعاتي أن هناك خللاً بل تشوهاً كلياً فكرياً وسياسياً عملياً لأصل معنى الحداثة لدى كثير من النخب الفكرية والسياسية العربية، ولولا هذا التشوه ما كانت شؤون مجتمعاتنا العربية والإسلامية عموماً ومختلف أمورها وأوضاعها، ستصل إلى ما وصلت إليه اليوم، وهي على هذه الدرجة من السوء والتبعية والفوضى والتهتك العام المفضي إلى ما يشبه حالة الحطام والانهيار شبه الشامل المتمحور في هزالة وضعف بلداننا، وبقائها متعيّشة على الآخر في كل ما يتصل بشؤونها وأوضاعها وعلاقاتهاوحتى على مستوى رسم سياساتها وخططها..!!. رغم ما قد يبدو ظاهرياً أنها تعيش حداثة نوعية حقيقية..!!.

إن الحداثة ليست شعارات ولا عواطف ولا خطابات ولا استعراضات دعائية، وهي أيضاً ليست مجرد شراء قوالب مسبقة جاهزة، وزرعها بقوة وبلا أصالة ولا تربة ملائمة في بيئتنا العربية، والحداثة أيضاً وأيضاًلا تعني بيع موارد الأمة وثرواتها المادية (الهائلة) لبناء أشكال ومظاهر من العمران القشري الكسيح يبهر الأنظار ويأخذ بالألباب، ويصبح عالة على أصحابه.

الحداثة أولاً تكمن في بناء الإنسان وصياغة وجوده الفعّال الحي والحقيقي، وتهيئته هو ليكون قادراً -عقلاً وعلماً وفكراً- على بناء حداثته الحقيقية بالاعتماد على ثروات أمته ومواردها وقدراتها، وهي ليست قليلة ولا وضيعة، حيث أن سياسات النخب الحاكمة وخططها وبرامجها القائمة على مفردة واحدة وصيغة واحدة، هي رهن كل شيء للخارج، وضعف الاستثمار النوعي في الثروة البشرية والطبيعية على نحو فاعل ومنتج ومستقبلي هي التي قادت وتقود إلى الفشل والخسائر وبناء مقومات الحداثة الحقيقية..

نعم، الحداثة تكمن هنا، في ضرورة تحقُّق الاهتمام الحيوي بقضايا عجزت (نخب الأمة وحكوماتها) عن تبنّيها وتحمّل مسؤولياتها، وهي تهيئة الكفاءات وصياغة العقول النيرة المبدعة القادرة على استثمار تلك الموارد، وحسن إدارتها والتحكم بها، وتحويلها إلى قوة للبناء والوعي بما يعود بالنفع العام والسعادة والرخاء على الناس، أصحابها الحقيقيين..!!.

اليوم:

حداثة العرب، هي حداثة نخبوية رثة، حداثة البروج العاجية والمولات الملونة المزخرفة والمظاهر الاستهلاكية، لا حداثة الناس والمجتمع ككل..

فلا حداثة حقيقية من دون التنمية العقلية والعلمية.. من دون النمو العقلي والإبداع العلمي.

وفي عقيدتي أن ما تقدم لا ولن يتحقق على أيادي النخب القائمة المفارقة زماناً ومكاناً.. لأنه يتطلب بناء حياة سياسية سليمة وصحيحة.. ولو أنه كان لدينا -في عالمنا العربي عموماً- مثل هذه الحياة السياسية التعددية، ما كنّا وصلنا إلى هذا الوضع الكارثي الذي نعاني فيه في بلداننا العربية من حالة غياب كامل وعجز شبه مطبق للقدرة على منع تفاقم الأمراض والأزمات والصراعات شبه اليومية المستمرة.. فلا شيء يوقف تداعيات وانهيارات الخسائر العربية في كل المجالات..إذ هناك دوران مفزع للتاريخ السياسي العربي حول أزماته وتعقيداته ومشاكله المتكررة وانهياراته المستمرة دوراً وحضوراً ومكانة..

والحياة السياسية الصحيحة والحقيقية التي أعنيها هي –بالعنوان الأولي- إعادة السياسة إلى حضن المجتمع (أي أنْ تصلَ الحكومات إلى السلطة والحكم بقوة الانتخاب الحر والنزيه والقانون العادل ومعايير الكفاءة وخدمة الناس والمجتمع) وإدخال الشعوب العربية والإسلامية في صلب العملية التنموية الشاملة، ونزع القيود عن مشاركتها الفاعلة في الحركة الوطنية العامة، والتعامل معها كأفراد وذوات حرة قائمة بذاتها وعياً وحقوقاً ومسؤوليات، يحتاجون إلى الاحترام والتقدير والكرامة والعزة، والشعور بالحرّيّة والثقة بالنفس..

Views: 37

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى