د. عطالله الحجايا : في الصحراء وتفتق الذاكرة
يظن الكثير من أصدقائي أن عشقي للصحراء منبعث من نشأتي البدوية ،واغترابي الأزلي في المدينة ،أو أن الخلوات الصحراوية طقسٌ صوفيٌّ ،أو حالٌ من أحوال المريدين أو مقامٌ من مقامات العارفين ، والواقعُ غير ذلك فالصحراء حضورٌ كامل وتجلٍّ مرتجى ، الصحراء وطن بمحمولات في متناول الذاكرة ،تتكئ على قلب وتمتد على أفق .
الصحراء توْقُ حرّيةٍ لا متناهٍ وحضورُ نبوّةٍ بلا خيبات ، وتجلٍّ علويٌّ بلا ريبة.
في رمالها عبقٌ متسامٍ وفي سهوبها ديونٌ لم تسدد ، وفي أوديتها ذاكرةٌ بكر.
تلتقي بها قيس الرقيات على منحدر غير سحيق يهذي ::
لَو بَكَت هَذِهِ السَماءُ عَلى قَو مٍ كِرامٍ بَكَت عَلينا السَماءُ
والسماء في الصحراء تحنو ولا تبكي ،وحسبك أن تلقي الصحراء ممطورةً ريّانةً في يوم تشريني صحوٍ بعد غدقٍ من صيّبِ ديمة جادت بدلائها وأفرغت على الحرّات قرَبَها ففاضت وكأن غيلان عناها حين قال :
بِأَجرعَ مِقفار بَعيدٍ مِنَ القُرى …. فَلاةٍ وَحُـفَّت بِالــفَلاةِ جَوانِـبُه
كَأَنَّ سَحيقَ المِسكِ رَيّا تُرابِهِ …. إِذا هَضَبتهُ بِالطِلالِ هَواضِبُه
وفي الصحراء على مشارف تلعة ترى آثارهم فيعنّ لك قول المرادي:
ألا يا بَيْتُ بالعلياءِ بَيْتُ …. ولولا حبُّ أهلكَ ما أتيتُ
ألا يا بَيْتُ أهْلُكَ أوعَدوني …. كأنّي كلَّ ذَنْبِهِمِ جَنيْت
في الصحراء أسرار وفي الأسرار رؤى ، وفي الرؤى آمال …فعلى الصحراء السلام .
Views: 18