د. ضياء الجنابي : عطش المشاوير
ـــ العَواصِفُ تَعتَاشُ عَلى مَا تَبقّى مِنْ غُبَارِ الحَربِ
العالقِ في بِزَّتي الخَاكِيةِ المُمزّقَة
ـــ القَمَرُ بِهذَا الاكتِمالِ
وهَذِهِ الأُبهةِ
وَجهٌ دَثَّرتُهُ فِي ذَاكِرتي ولمَ يَنَمْ
ـــ النَهَرُ يَشْربُ عَطَشَي الذِي وَرَثْتُهُ عَنْ إلهِ الخِصْبِ (ديموزي)
ـــ العَصَافِيرُ تَردِّدُ أُغْنِيَتِي الحَزِينَةَ التِي غَنَّيْتُها ذَاتَ فِراقْ
ـــ الغَابَةُ التِي فِي دَاخِلي تإِنُّ مِنَ الوِحدَةِ
تَصطَّكُ أَسنَانُها بالكَلمَاتِ المُوحِشَةِ
ـــ الصَّمتُ الذِي يَلُفُّني الآنَ
مَحْضُ تَراكُمٍ لِطَيّاتِ الصَّخَبِ المَرِيرِ..
* * *
فِي خَرِيفٍ قَادِمٍ
كَتَبْتُ قِصَّتِي
عَلَى وَرَقَةٍ خَالجَ بَياضُهَا صَمْتي
ونَذَرتُهَا لِلفَراغِ
فَتَعَلَّقَتْ بِجُنحِ نَيزَكٍ حَزيِن
وَفَاتَني أَنَّ الحُرُوفَ التِي وَاربَتْ حُزنِِي
كَانَتْ غَريرَةً فِي عُمْرِهَا الغَضِّ
نََاءَتْ تَحتَ صَخرِ الكَلِمَاتِ
التي تَدَحرَجَتْ من مَآقِي لُغَتِتي
فَاستَدركَتِ الوَرَقةُ حِكْمَتَهَا
قَالَتْ: سَيروي بَياضِي مِشوَارَكَ الطَّويل
وخبرتني أَنَّهَا
تَنتظِرُ مِثلِيَ الخَريفَ القَادِمَ
لِتَسْقُطَ
وَتَركَبَ أُرجُوحَةَ الرِّيح
* * *
كَيفَ ِلي أَنْ أُعلِقَ الضَجَر َ عَلى مَرمَرةِ المَساءِ الدَّاكِنِ
لِيَتَّحدَا لوناً؟
وكَيفَ أُدَارِي نُضُوجَ الكآبَةِ فِي سَاعَتي البَيولوُجِيّة؟
وكَيفَ أَفُكُّ ارتِباكَ الغُيومِ ِفي مَحْجِرَيَّ؟
والسَّحَابُ يَنكَمِشُ،
يَذُوبُ،
ثُمَّ يَهمِي
وإِذا يَصعَدُ لا يَعرفُ مَكانَهُ القَديم
وعِندَما يُغَادِرُ السُمَّارُ رَأْسِي
َيترُكونَ أَصابِعَهمُ المُتَّقِدةَ الجَمرِ عَلى كَتِفي
* * *
وَزَّعْتُ الحَنِينَ لِفَافَات ٍعَلى أبجديةِ الزمنِ
وَمَا فَاضَ مِنهُ يَسِيحُ
عَلى حَافَّةِ الأُفقِ
وَلا زالَتِ المَنافِي تَتَقَاطرُ نَحوُي
تَجرُّ مَراكِبَ الهَجر ِإليَّ
ــــ لِماذَا غَيَّبتكَ الفُصُولُ؟
لِمَاذَا مَصابِيحُ السُّكونِ تَفِزُّ هَلَعاً مُنتَصفَ الليلِ؟
الشَّوارعُ حَفَظَتْ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ
قَسَمَاتِ وَجْهِي
وَهيَ تَشتاقُ لِخَطْوي
المَطَاراتُ اتخذَتْ مِن يَدي المُلوِّحتينِ فِي الرِّحلةِ الأَخِيرةِ
رَمزاً للرَّحيلِ والغيابْ
وفاتَها أَنْ تَضَعَ
رَمزاً للإيابْ
* * *
الرسالة النقدية التي كتبها الشاعر والناقد الفرات بن علي الفاضل:
حين يتشبث في أبصارنا اللون الخاكي المتذمر بين آثام يبدو أن هنالك من ارتكبها ولم يفصح عن هويته بعد .أو نحن لا نجتهد في الإفصاح عنه تعلقا بأسباب الشعر اللامعة والسرية معا لكونه حقاً مكتسباً للمبدعين فقط. وبين بهجة منتظرة في منتصف مسافة – الشعور – بعدم الوشاية للنفس أولاً ثم الآخرين نجدنا، أثناء القصيدة، نبتعد قلقا ولذة مع – شجرة حوار داخلي – يغرسها الشاعر أبو دانية – دفعة واحدة! – إزاءنا مع دهشة مضافة ذات أوراق مصفرة في استحالة استثنائية تمد فروعها غواية لقدوم الخريف، غير أنها تتداخل في نسيج مضامين بحالين مختلفين؛ الأول أن الطبيعة بتفاصيلها المتعاقبة في القصيدة لا تمنح دورة نشوءها المموسق إلا إذا اشتبكت ظلالنا قبلنا بها، وهذا تحد لصالح قصيدة النثر الإيقاعية، علاوة على أن مشهد القصيدة – التفاصيل – التجربة تتحول إلى شهادة غامضة المعالم والقياسات لأنها شعر وتنسحب بلا مواربة بين ناظر متغير السلسلة ومنظور متغير المشاوير والفصول مادام النهر سيبقى يشرب عطش الشاعر الذي ورثه عن الراعي الإله ديموزي، وفوق ذلك القصيدة متحدية ومحرضة محشودة بالعناوين الظاهرة والخفية التي تهاجم عنوانها الرئيسي المناسب.. ودمتم للإبداع
Views: 697