الدكتور رياض ياسين يحاضر في منتدى الفكر العربي
عمّان – عقد منتدى الفكر العربي اليوم الأربعاء الموافق 8/3/2023 لقاءً حوارياً وجاهياً وعبر تقنية الاتصال المرئي، حاضر فيه سعادة الدكتور رياض ياسين أستاذ التاريخ في جامعة اليرموك حول مضامين كتابه “التكوين السياسي والتاريخي لمدينة القدس”، وقد أدار اللقاء عطوفة الأستاذ الدكتور على محافظة أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية وعضو المنتدى، وحضره وشارك في المداخلات عدد من الباحثين والمهتمين.
وتقدم المُحاضر د. رياض ياسين بالشكر لمنتدى الفكر العربي والقائمين عليه ممثلاً بالاستاذ كايد هاشم والسيدة الفاضلة إيمان العمري، وأعضاء المنتدى الكرام، وللأستاذ الدكتور علي محافظة ولجميع من شارك في إنجاز هذا المؤلف المهم، مثمنا هذه الدعوة الكريمة للمشاركة في الإضاءة على مضامين كتاب “التكوين السياسي والتاريخي لمدينة القدس”.
وقد حظي كتاب “التكوين السياسي والتاريخي لمدينة القدس” باهتمام عربي، حيث فاز بجائزة أحسن كتاب عن القدس في مهرجان زهرة المدائن بالقدس دورة 2021، كما حظي باهتمام محلي، حين استضافت دائرة المكتبة الوطنية (وزارة الثقافة الأردنية) بتاريخ 19/2/2022 الدكتور رياض ياسين في حفل إشهار للكتاب.
وأوضح د.ياسين فكرة تأليف الكتاب وقال (بعد سنوات طويلة من مواكبتي لما تشهده المدينة المقدسة من اعتداءات وانتهاكات يومية من قبل الاحتلال الصهيوني، وبعد سنوات من مطالعتي لكثير مما كـُـتب وما يُـكتب حولها منذ فجر التاريخ، وبعد سنوات من عملي مع اليونسكو ومساهمتي في إبراز دلائل إثبات الحق التاريخي العربي الإسلامي والمسيحي في القدس، فقد أخضعت كثيرا من كتب المؤرخين والساسة وعلماء الدين حولها، لمشرحة البحث والتحليل والتدقيق، وحاولت أن اعيد صياغتها وفق حقائق التاريخ والقانون الدولي بكل تجرّد وموضوعية.
وأضاف لقد حاولت عبر صفحات “التكوين السياسي والتاريخي لمدينة القدس” أن أركز على عروبة هذه المدينة الضاربة في القدم، مؤكداً على هويتها العربية الإسلامية، بعد تتبع لكل المراحل التي مرت بها هذه الهوية عبر العصور، وبعد مطالعة كثير من الآراء والروايات والمواقف المختلفة حولها، فوجدتني أقدّم قراءة شاملة للتاريخ السياسي في القدس منذ فجر التاريخ وحتى الآن، مبرزاً الإجراءات الصهيونية الرامية لتهويدها وتزوير تاريخها وطرد سكانها).
وتحدث د. ياسين كيف أن هذه الدراسة ساهمت بشكل كبير في استثارة أفكار تتحدى كثيراً من الأساطير التي بنيت عليها المخيلة الإسرائيلية تجاه عدد من القضايا الأساسية سواء أكانت قبل تأسيس الدولة(الكيان) أو بعدها.
وفندت أيضا الرواية الصهيونية الرسمية المزعومة عن الصورة البطولية للمهاجرين اليهود المثابرين الذين لم يكن لهم هَمّ إلا إصلاح الأرض الخراب، وحيث كانت علاقة هذه التجمعات فيما بينها غاية في التعاون، وعلاقتها مع جيرانها العرب غاية في التسامح، لكن العرب لم يبادلوها إلا العدوان والعِداء، وهذه الرواية الصهيونية ثبت من خلال الشواهد التاريخية أنها محض افتراءات، فالعرب الفلسطينيون كانوا في أراضيهم وتم طردهم منها بالعمليات الإرهابية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية.
ثم قدم د.ياسين عرضا لمحتويات الكتاب الذي يشتمل على ثمانية فصول سبقتها مقدمة وانتهى كل فصل منها بخلاصة، وقد ظهر ذلك تبعا لمنهجية ارتآها الباحث في التعامل مع فصول الكتاب باعتبار أن كل فصل منها يمثل وحدة معرفية قائمة بذاتها، يجمع هذه الوحدات جميعاً القيمة الحضارية والأهمية الدينية والسياسية للمدينة عبر التاريخ، ولا يخفى على أحد منا ما تعرضت له مدينة القدس عبر تاريخها الطويل منذ الكنعانيين سكانها الأوائل حضارياً في الألف الرابعة قبل الميلاد مروراً بكل الشعوب القديمة التي حاولت اجتياحها، فالتاريخ القديم في فلسطين سجل العديد من الغزوات (لشعوب سامية وغير سامية ومنها الكنعانيون والعموريون والأشوريون والبابليون والفلستيون والعبرانيون والفرس واليونان والرومان ) والتي غزت المدينة أو حاولت غزوها، فأصيبت المدينة بلعنة الأطماع، حيث كانت مقوماتها وقيمتها الحضارية والدينية نقمة عليها بهذا المعنى.
ووضح أن فهرس المحتويات ابتدأ بتحديد موقع مدينة القدس والتسميات التي أطلقتها الشعوب الغازية عليها ولعلّ أقدمها أورسالم أو أورسليم، وقد توسع النقاش في مجال عرض التسميات وتحليل دلالتها اللغوية اعتماداً على الشواهد الأثرية التي ظهرت خاصة نصوص اللغة المصرية في القرن التاسع عشر قبل الميلاد ونصوص تل العمارنة التي ظهرت بعدها بخمسة قرون أيضاً، لتثبت بأن التسمية التي تم إقحامها في التوراة وتعني “أورشليم” هي ليست تسمية عبرية أو مستقاة من التراث اليهودي وإنما ترجع إلى العصر الكنعاني في الألف الرابع قبل الميلاد قبل ظهور اليهودية بما لا يزيد على ألفي سنة.
وأكد د.رياض ياسين بأن تاريخ مدينة القدس هو نسخة مصغرة عن تاريخ فلسطين، ولا يمكن فصل المدينة عن التطورات السياسية التي عاشتها فلسطين عبر العصور، فالمدينة ليست جزيرة منفصلة عن فلسطين بل هي في قلب فلسطين، ولكنها اكتسبت قيمة حضارية أكبر من سواها باعتبارها من أقدم المناطق المأهولة، وأنها كانت منذ البدايات مركزاً للحضارة الكنعانية وعاصمة لها، وأن وعي الباحث بالتاريخ مسالة مهمة حتى يدرك الظروف الموضوعية التي تعرضت لها المدينة كما هو الحال بالنسبة للظروف الذاتية، بمعنى أن الدراسة لم تكن فقط لتتوقف عند المدينة من الداخل وسكانها وطبيعة ثقافتها وعلاقاتها الداخلية مع جيرانها من المدن، بل عمدت إلى رصد الظروف الإقليمية بهذا المعنى والتي ساهمت أيضا في رسم معالم شخصية المدينة بصورة خاصة، وأكد الدكتور بأن هذه الظروف عاشتها فلسطين التاريخية لكن القدس كانت العنوان الأبرز فيها.
ثم تحدث الدكتور ياسين عن مرحلة تاريخ المدينة في العصر الإسلامي، وفكرة فتح المدينة زمن الخليفة عمر بن الخطاب، وتم التأشير على قيمة تلك الروايات المتعلقة بحضور الخليفة شخصياً ليشهد على فتحها واستلام مفاتيحها، وقد ركزت الدراسة على العهدة العمرية بوصفها أكثر من وثيقة صلح وإنما رسالة تسامح وتعايش بين مكونات المدينة.
واستعرضت الدراسة أيضا التطورات الدولية مع مطلع القرن العشرين، والتي انتهت بصيغة الانتداب على الأردن وفلسطين، وشرحت ظروف الحرب العالمية الأولى الفترة بين 1914-1918، حيث توالت الأحداث خلال هذه الفترة وكان أهمها اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ووعد بلفور 1917 ثم الحكم العسكري البريطاني أو الغزو العسكري لفلسطين قبل الانتداب عام 1920م، ليظهر بوضوح أن المنطقة العربية في المشرق كانت حاضرة ومشتبكة في الصراع الدولي خلال الحرب العالمية الاولى، وأن نتائج هذه الحرب قد ساهمت في رسم المعالم السياسية للمنطقة العربية في فترة العشرينات والثلاثينات حتى منتصف الأربعينات من القرن العشرين عندما بدأت بريطانيا التفكير بإتمام تنفيذ وعدها وتسليم فلسطين إلى الصهاينة.
وقال الدكتور ياسين: المهم التأكيد على أن بريطانيا لم تستثن القدس من الوظيفة التي أخذت على عاتقها تنفيذها في فلسطين بأن تقيم فيها وطنا قوميا لليهود. وقد عملت على تحقيق الغاية القصوى من الانتداب في تأسيس ظروف مادية ملائمة لإنشاء الوطن القومي لليهود ضمن خطة مبرمجة قامت على ركنين أساسيين: الأول خلخلة التركيبة السكانية في فلسطين بزيادة عدد اليهود من خلال تشجيع الهجرة وتسهيلها إلى فلسطين بكل الطرق، والثاني العمل على تمكين اليهود من امتلاك أكبر مساحة ممكنة من أراضي فلسطين.
وسلطت الدراسة الضوء على الحركة الوطنية الفلسطينية لإبراز المواقف من سياسات بريطانيا في فلسطين خلال الحكم العسكري وفي عهد الانتداب، فقد ظهر نشاط المقدسيين زمن الإدارة العسكرية البريطانية بفتح النوادي الثقافية السياسية وإصدار الصحف الأسبوعية المناهضة للاحتلال، فقد دخلت الصحافة الفلسطينية بشكل مواز للحركة الوطنية مرحلة جديدة تحت الحكم البريطاني وفي مرحلة مبكرة أثناء الحكم العسكري بعد غياب دام خمس سنوات. وعادت الصحف الفلسطينية التي أسست بين (1908- 1914م) ولعبت دوراً في فضح الصهيونية والهجرة اليهودية وإقامة المستوطنات في فلسطين. وقامت المظاهرات المنددة بالاحتلال .
وعرض الكتاب لأهم التطورات خلال الحرب العالمية الثانية وأهم المشاريع السياسية التي تم تقديمها خاصة بعد تجميد مشروع دولة فلسطين المستقلة كما ورد في الكتاب الأبيض، وخاصة مشروع حزب العمال البريطاني الذي عُرف بتأييده للصهيونية، حيث أصدرت وزارة الخارجية البريطانية بيانا في الثالث عشر من تشرين الثاني1945م، تضمن اقتراحاً بتشكيل لجنة تحقيق إنجليزية أمريكية لبحث القضية الفلسطينية، وتقديم مقترحات لحلها، وعرف هذا “ببيان بيفن” نسبة إلى أرسنت بيفن وزير خارجية بريطانيا وتمحور هذا البيان حول الدعوة إلى وضع فلسطين تحت نظام الوصاية الدولية بدلاً من الإنتداب البريطاني، وقد استقبله العرب بالرفض والمطالبة بإعادة النظر في السياسة التي تضمنها
واهتمت الدراسة بشكل كبير بقرار التقسيم لعام 1947، وتكون مشروع قرار تقسيم فلسطين والذي حمل رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29-11-1947 من مقدمة وثلاثة أجزاء، الجزء الاول خصص لـ”دستور فلسطين وحكومتها في المستقبل” والجزء الثاني للحدود، والجزء الثالث لمدينة القدس.
وعرضت الدراسة لنهاية الانتداب البريطاني فتناولت ردة الفعل العربي على قرار التقسيم والتي جاءت عنيفة من خلال التظاهرات الصاخبة التي عمت العواصم والمدن العربية. رافقتها مصادمات بين المتظاهرين والسلطات في بعض الأقطار كما حصل في سوريا والأردن والعراق، أما القيادة الصهيونية فقد عبرت عن ترحيبها بقرار التقسيم، لأن إقامة دولة يهودية كان بمثابة حلم للشعب اليهودي.
وكيف تمكن الصهاينة بمساعدة سلطات الانتداب البريطاني من تنفيذ عمليات إرهابية ومجازر وحشية ضد التجمعات والمدن العربية من أهمها مذبحة دير ياسين التي وصفها مناحيم بيغن بقوله: “لولا النصر في دير ياسين لما كانت هناك دولة إسرائيل”.
ووضح الدكتور رياض كيف أن بريطانيا حاولت من خلال مشروعات ومقترحات سياسية فصل مدينة القدس لاعتبارات عديدة إدراكا منها لخصوصية وضع المدينة الديني والسياسي والتاريخي. وقد تبلور ذلك في مقترح قرار الامم المتحدة بخصوص الكيان المنفصل في مدينة القدس، وما نشأ عنه من فكرة “المركز القانوني لمدينة القدس”.
وقد اعتنت الدراسة بصورة مركزة أيضا بدراسة القدس خلال فترة الحكم الأردني من خلال قراءة سياسية في ظل التحولات الإقليمية والدولية، وانطلقت من فكرة التدويل الى الاحتلال والأبعاد القانونية لضم القدس للأردن في الفترة بين 1950-1967م.وبحثت الدراسة بشكل مكثف ما سمي انتهاك فكرة “الوضع الراهن”، “الوضع القائم” ،”ستاتيكو”،الامر الواقع،”الوضعية الأصلية”(Status Quo). واهتمت الدراسة بالولاية الدينية الأردنية على المقدسات في القدس، وتناولت قرار فك الارتباط الأردني مع الضفة الغربية، واتفاقية أوسلو ووادي عربة ووضعية القدس خلالها،بما يظهر حقيقة الدور الأردني والواقع القائم، وقد استحوذت فكرة الوضع القائم على اهتمام كبير في الدراسة من حيث تتبعها التاريخي ومعناها في القاموس القانوني والتطورات المهمة التي عاشتها المدينة في الرعاية الأردنية للقدس والمقدسات على مدى قرن من الزمن والتي تاطرت من خلال اتفاقية الوصاية للعام 2013م.
واهتمت الدراسة بشكل كبير بالقدس في القانون الدولي من خلال إحاطة شاملة بالاتفاقيات الدولية مثل لاهاي وجنيف، وقدمت الدراسة تتبعاً دقيقاً لأهم القرارات حول القدس في الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي كان أولها قرار التقسيم، وتابعت باهتمام قرارات مجلس الأمن الدولي حول القدس، واعتنت الدراسة بالرصد والتحليل تراث القدس في منظمة اليونيسكو وقد ساعدني في ذلك خبرتي العملية في هذا المجال للعديد من السنوات وتوفر الوثائق لذلك، فالمدينة تم تسجيلها من قبل حكومة الاردن العام 1981م على لائحة التراث العالمي ثم أعيد تسجيلها في العام 1982م على لائحة التراث المهدد بالخطر نتيجة لما تتعرض له من اعتداءات واستهدافات مستمرة.
وقدمت الدراسة أخيراً مشاريع التسوية السياسية حول مدينة القدس ابتداء من مقترحات الكونت برنادوت عام 1948م، ومقترحات مؤتمر جنيف للعام 1973م، والقدس في اتفاقيات كامب ديفيد للعام 1979، والقدس في اتفاق أوسلو للعام 1993 والقدس في اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية وادي عربة للعام 1994م، والقدس في محادثات بيلين أبو مازن للعام 1995م والقدس في مقترحات كلينتون للعام 2000 م وكامب ديفيد مرة أخرى ايضا العام 2000م.
وختم الدكتور رياض حديثه بأنه الدراسة تبين وفقاً لأحكام القانون الدولي بأن اسرائيل قوة محتلة، قامت باحتلال القدس وباقي الأراضي العربية المحتلة بالقوة، وظهر أيضاً أن القرارات الدولية كاملة تدين سياسة إسرائيل وممارساتها تجاه حقوق الإنسان ومقدساته.
وبأن هذا الكتاب يمثل وثيقة مهمة، تضع حدا للجدل العالمي المستند للرواية الصهيونية حول المدينة المقدسة، و يُبشر أيضاً أن الاحتلال الحالي للقدس، سيكون كغيره من الاحتلالات التي خضعت لها المدينة وكانت إلى زوال.
هذا وجرى نقاش موسع بين المتحدثين والحضور حول القضايا التي طُرحت.
يمكن متابعة التسجيل الكامل لوقائع هذا اللقاء بالصوت والصورة من خلال الموقع الإلكتروني لمنتدى الفكر العربي www.atf.org.jo وقناة المنتدى على منصة youtube
Views: 11