نص

د. رياض ياسين : الاعتداءات على القدس والمقدسات من جرائم الحرب

الاعتداءات على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها تعتبر وصمة عار دولية، حيث تمثل الانتهاكات والاعتداءات على الممتلكات الثقافية والدينية جرائم حرب، ويمثل العدوان الإسرائيلي على القدس جريمة واضحة بموجب الفقرة (ج) من القرار رقم 36/147 بتاريخ 16/12/1981 للجمعية العامة للأمم المتحدة والذي أدان في حينه بشدة الإجراءات الإسرائيلية بما فيها عمليات الحفر، وتغيير معالم الأراضي الطبيعية والأماكن التاريخية والثقافية والدينية، خاصة في القدس، واعتبرها بمثابة جرائم حرب.

تتصاعد وتيرة الاعتداءات على الأقصى في شهر رمضان المبارك من كل عام خاصة بالتزامن مع عيد الفصح اليهودي، وتتخذ الاعتداءات والاقتحامات الإسرائيلية عدة أشكال من تخريب الممتلكات ومحاولة تدنيس المسجد الأقصى وترهيب المصلين والعابدين والمعتكفين فيه، فحكومات اسرائيل المتعاقبة تنتهك التراث والمقدسات بالسماح للعابثين والمتطرفين باقتحام ساحات الاقصى وتقوم بالاعتداء السافر بتسهيل الطريق امام المهوسين الذين يذكون نار الصراع الديني والطائفي والمذهبي في كل المنطقة فهم محور الارهاب الحقيقي في المنطقة لانهم يعتدون على أقدس ا?امكنة وأكثرها خصوصية للمسلمين والمسيحيين،وللأسف فإن دولة الاحتلال غير امينة على هذا التراث من منطلق انها تنسى أو تتناسى أنها دولة محتلة يفترض أن تراعي المحافظة على هذا التراث وصيانته وفق المعايير والقوانين الدولية ومواثيق اليونسكو وقرارات لجنة التراث العالمي التي بموجبها تم تسجيل تراث القدس الثقافي على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر منذ عام 1983،هذا بالاضافة الى المرجعيات المعروفة بدءا باتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949 واتفاقية لاهاي لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حال النزاع المسلح واتفاقية ح?اية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لعام 1972 وبإدراج مدينة القدس القديمة من جانب الأردن في قائمة التراث العالمي عام 1981 وفي قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر عام 1982 إن اقتحام الأقصى بين الفينة والأخرى أكثر من مجرد اعتداء عرضي لمتطرفين يتم تحت أعين سلطة الاحتلال الإسرائيلي التي هي بموجب الاتفاقات والقرارات الدولية بمثابة الأمينة على هذه الممتلكات الثقافية، فإسرائيل وفقا لأحكام القانون الدولي تعتبر قوة محتلة، قامت باحتلال القدس وباقي الأراضي العربية المحتلة بالاستناد للقوة، و الاحتلال معرف تعريفاً واضحا? في المادة 42 من اتـفاقية لاهاي لعام 1907،التي يـفتـرض أن تلتــزم بها إســرائيل.

واتفاقية لاهاي نفسها لا تجيز للدولة المحتلة مصادرة الأملاك الخاصة، فقد ورد في المادة (56) بأن الدولة المحتلة تعتبر بمثابة مدير للأراضي في البلد المحتل وعليها أن تعامل ممتلكات البلد معاملة الأملاك الخاصة. فقد جاء النص محددا فاشترط» معاملة ممتلكات البلديات وممتلكات المؤسسات المخصصة للعبادة والأعمال الخيرية والتربوية، والمؤسسات الفنية والعلمية كممتلكات خاصة عندما تكون ملكاً للدولة، ويحظر كل حجز أو تدمير أو إتلاف عمدي لمثل هذه المؤسسات والآثار التاريخية والفنية والعلمية، وتتخذ الإجراءات القضائية ضد مرتكبي هذه ?لأعمال».

واشتملت معاهدة جنيف في الاتفاقية الرابعة منها بشأن حماية الاشخاص المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12-8-1949 وحسب المادة (49) بأنه لا يحق لسلطة الاحتلال نقل مواطنيها إلى الأراضي التي احتلتها، أو القيام بأي اجراء يؤدي إلى التغيير الديموغرافي فيها.

كما نصت المادة (53) على أنه لا يحق لقوات الاحتلال تدمير الملكية الشخصية الفردية أو الجماعية أو ملكية الافراد أو الدوله التابعة لأي سلطة في البلد المحتل.

والأهم من ذلك كله ما ورد في قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن بخصوص حماية الممتلكات الثقافية في الأرض العربية المحتلة وبالأخص الأماكن المقدسة، وسأشير فقط هنا إلى قرار الجمعية العامة رقم 181 الصادر عام 1947 والذي يعد من القرارات المرجعية الهامة في القانون الدولي،فقد تضمن الفصل الأول من هذا القرار عنوانا مفردا للأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية بحيث أكد القرار على أهمية أن » لا تنكر أولا تمس الحقوق القائمة المتعلقة بالأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية» بحيث تضمن حرية الوصول والزيارة والمرور لجمي? المواطنين في الدولة الأخرى وفي مدينة القدس، كذلك صون الأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية.

وهذه الأبنية هي التراث الثقافي للمسلمين والمسيحيين على حد سواء. كما أوصى البند «ج» من القرار في الجزء الثالث أن تقوم سلطة إدارية حكومية تعمل على «حماية المصالح الروحية والدينية الفريدة الواقعة ضمن مدينة العقائد التوحيدية الكبيرة الثلاث المنتشرة في أنحاء العالم – المسيحية واليهودية والإسلام- وصيانتها،والعمل لهذه الغاية بحيث يسود النظام والسلام- السلام الديني خاصة – مدينة القدس.

هذا من حيث بعض ملامح الإرث القانوني،أما المستقبل القانوني لهذه الاعتداءات فعلى ما يبدو سيجرم إسرائيل في حال تم إعداد ملفات لرصد انتهاكات المسجد الأقصى والأماكن المقدسة على نحو يؤسس لفكرة جديدة مفادها أن هذه السلطة لا يمكن أن تكون محايدة في فرضها لسيادتها على أراض وممتلكات تخص ثقافة وأمة اخرى، وللتذكير فقط فإن الاعتداء على الأملاك الثقافية من أماكن دينية وأثرية وتاريخية في أكثر من موضع وأكثر من قرار يعد بمثابة جرائم حرب.

وقد اعتبرت أحكام المادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة تدمير واغتصاب الممتلكات الدينية والثقافية والتاريخية بصورة لا تقتضيها الضرورات الحربية الأكيدة من قبيل المخالفات الجسيمة، التي كيفت بنص المادة (85) من البروتوكول الإضافي الأول بأنها جرائم حرب.

وهذا ما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار رقم 36/147 بتاريخ 16 كانون الأول/ ديسمبر/1981 فقرة (6) بأن الاعتداء على الأماكن التاريخية والثقافية والدينية هي من قبيل جرائم الحرب، حيث نصت على «أن حالات الخرق الخطير من قبل إسرائيل لأحكام اتفاقية جنيف هي جرائم حرب وإهانة للإنسانية».

عن جريدة الرأي الأردنية

Views: 14

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى