نهايات تراجيدية في “أولاد عشائر” لمحمد حسن العمري
بقلم: سمر السيد
.
في رواية يمتزج فيها الخيال بالواقع، يقدم الكاتب محمد حسن العمري روايته “أولاد العشائر” بأسلوب أدبي ماتع يصور من خلاله ما يعتقده المجتمع الأردني في أن الحصول على وظيفة حكومية يُعد مصدرا هاما من مصادر الأمان المادي أو مصدرا للنفوذ، لذا يتسابق أبناء العشائر إلى الفوز بها. وفي حين أن المعيار التفاضلي للتعيين في أي وظيفة، يكون على أساس مقومات الدرجة العلمية والكفاءة، نجد أن هناك تجاوزات يقوم بها بعض من يعتقدون بأنهم الأحق بالفوز بالوظيفة الحكومية استنادا إلى ما يملكون من مال ونفوذ، حتى ولو كان ذلك على حساب من يجد في تلك الوظيفة ملاذا له للخروج من دائرة العوز والحاجة. ومن هنا تدور رحى المعاناة لشخوص الرواية، سواء كان ذلك في الزمن الماضي أو في الوقت المعاصر.
ففي الحاضر، اختار حِجاب، أحد شخصيات الرواية، الانتحار منهزما بعد أن فقد ثقته بعدالة الحياة لعدم تعيينه في وظيفته المستحقة له بحجج واهية، بينما اختارت خطيبته “شروق” المواجهة، ولكنها لم تلبث أن تلحق به بعد فترة زمنية وجيزة لسبب ما دهسا بسيارة مجهولة. وفي وقت آخر نشاهد صقر الشاب الذي يفترض أن يعين مكان حجاب، وهو يُلاحق ويقتل بطلقات مجهولة.
لو توغلنا في الماضي أكثر، لرأينا عطا على وشك أن يعين على حساب شخص آخر: صقر ريحان الزفَيت، الشخصية المحورية في الرواية، الذي استطاع استعادة وظيفته بالحيلة. وبينما يستمر صقر في عمله ليصل إلى أعلى الدرجات الوظيفية، اختار عطا حياة التشرد والتسكع والسرقة إلى أن تنتهي حياته بطعنة غادرة، مع أنه كان يفترض به أن يصبح أحد شيوخ عشيرته.
يسرد الكاتب محمد العمري بأسلوب مميز، شعور الألم الذي ينتاب صقر ريحان في لحظات الندم، مما يشير إلى عدم استمتاعه بما وصل إليه عن طريق الحيلة على الرغم من تعرضه للظلم في البداية. لقد وصل صقر الزفيت إلى مرحلة لا يستطيع فيها العودة إلى ما كان عليه، ولا إلى إعادة عطا لحياته الطبيعية، ولا الهرب مما تمليه عليه إلحاحات أخته بضرورة تعيين ابنها ولو كان ذلك على حساب أحدهم. وفي بعض من اعترافاته يقول صقر: “نعم لقد نشل عطا وهو يتخطاني ولم أكن أفتري عليه، عليكم أن تصدقوني، أنا أكتب اليوم دونما إملاء من أحد، ثم إنه لم ينشب صراع شخصي يوما بيني وبينه، كل ما في الأمر استرجاعات أتولى أنا سردها من تلقاء نفسي، وأنا تحت ساطور الألم” (العمري ٦٠).
في أثناء ذلك يسرد الكاتب بمهارة الصراع النفسي لحِجاب بعد أن قفز منتحرا وهو في طريقه للسقوط أرضا من البناية العالية، مستعرضا فيه ندمه على عدم مواجهته لمن سلبوا منه حقه في التعيين، وفي ذات الوقت يأسه من تحقيق نتيجة مرضية لهذه المواجهة.
ومن المفارقات المؤلمة، أن صقر ريحان، رغم مروره بذات التجربة فيما مضى، لم يشعر بفداحة فعله المتمثل بتعيين ابن أخته مكان حِجاب، في حين أطلق عطا اسما لهذا الفعل، ألا وهو “السرقة” خلال حديثه مع والده الشيخ أبي عطا” سأله والده:
- هل فعلا سرقت يا ولد محفظة عطوفته؟
- سرقت ما هو أكثر منها، نعم.
- نحن، لم نكن نحتاج المال لنسرق يا ولدي.
- إذا كان الأمر كذلك، لماذا برطلت نصف الحكومة كي تسرق وظيفة لم تكن لي؟” (٦٦).
وهكذا يكون الكاتب محمد حسن العمري قد عرض نهايات مأساوية لمعظم شخصيات روايته، ونجح في جذبنا للتوغل في الرواية لمعرفة دوافع وأسباب هذه النهايات المؤلمة.
Views: 52