كتاب

الوجع الكامن في السرد الغرائبي للمجموعة القصصية “أُلفة الوحدة” لمجدي دعيبس

بقلم: سمر السيد

تحمل الحياة في طياتها أوجاعًا تصيب الجميع بلا استثناء، ولكن أن يأتي وجع الإنسان من إنسان مثله، فهذا ما لا تقوى عليه النفس البشرية، فتنتهك بذلك أفئدة المستضعفين ليخرجوا من مضمار الحياة السليمة إمّا هالكين، وإمّا أشرارًا ليستهدفوا غيرهم من المستضعفين، وهكذا تدور الدوائر. هذا هو تأويل عبارة “يظل الإنسان إنسانًا حتًى يعقره كلب مسعور” التي استهل بها القاص مجدي دعيبس مجموعته القصصية الجديدة “ألفة الوحدة” الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (2023). وكحال هذه العبارة التي تحمل تأويلات مختلفة، كان ذلك حال مجموعته التي قدمت صور حيّة من واقع الحياة بأسلوب سردي غرائبي، ولكن بلغة سلسة واضحة ونصوص موجزة بإتقان.
يشعر قراء هذه المجموعة بقصصها الأربعة والأربعين بالصدمة، لغرابة النهايات، وأحيانًا بالتيه، بيد أنها تلمس شيئا معروفًا لديهم، ولكن لا تواتيهم العبارات الواضحة للتعبير عنها أو أن حواسهم قد خانتهم، فلم يلحظوا الكثير مما يجري حولهم، فجاء الشعور الذي أثارته هذه القصص، على غرابتها، لتتيح القراء تفسير النهايات كل بحسب معرفته وتجربته. ومن هنا يكمن التميز في هذا الأسلوب الغرائبي، فحتى وإن اختلفت التفسيرات والتأويلات، فهناك اتفاق، بتأثير من الشعور الخفي، أن هناك قضايا مجتمعية مستفزة لا يمكن تغافلها.
ومن أكثر الآفات التي تصيب النفس البشرية بمقتل هي الشعور بالوحدة التي تفرضها عليها ظروف الحياة القاسية أو غياب الألفة المجتمعية أو غيرها من العوامل. في قصة “العتبة”، انتهت حياة ذاك العامل العجوز الوحيد الذي أصبح بالكاد يجد قوت يومه، فيضطر، على غير عادته، لطلب ما يحتاج إليه من الجيران لإعداد وجبة عشائه، مما حال ما بينه ودخول بيته؛ إذ ارتفعت عتبة بيته لتسدّ الباب تمامًا. على الرغم من ذلك، فهناك من يتقبل الوحدة، كما في قصة “أُلفة الوحدة” حيث يظهر الرجل سعيدًا بتفاصيل حياته البسيطة وبوحدته التي اختارها بمحض إرادته لكن تنتهي القصة وقد ظهر هذا الرجل بمظهر يشير إلى تبلّد مشاعره الأبوية وتلاشي حسه بالمسؤولية.
تم توظيف الفانتازيا والخيال الجامح على نحو مميز كأسلوب غرائبي في بعض القصص ليكشف جوانب مظلمة من التيه والفساد في المجتمع؛ ففي قصة “البلدة المنكوبة” تخرج الضفادع من فم أحدهم، لتتكاثر في البلد، ولكن تقدم تعليلات مضللة للرأي العام بشأن هذه الظاهرة، وكذلك كان الحال في قصة “وقفة احتجاجية” في تفسير هروب الديناصور الصغير من المتحف. وفي حين يعرض الكاتب مشهدًا غريبًا لطالبة في قصة “مشهد مخيف” وهي تعض معلمة اللغة العربية ومعلم الفيزياء والمديرة وعاملة النظافة، وذلك بعد أربعين يومًا من تعرضها لمهاجمة كلب مسعور. وفي قصة “فانتازيا”، يختار الرسام أن يرسم زوجته، بإضافة بعض ملامح الرجولة عليها، ليجني الربح جراء بيع هذه الرسوم الغريبة.


وأظهرت المجموعة القصصية صورًا من تغير بعض المنظومات القيمية في العلاقات الأسرية لصالح المادة، حيث يقع على عاتق الزوجة تأمين الدخل للأسرة، حتى لو كان في ذلك إنهاك لعافية الزوجة كما في قصة “وقاحة”، أو انتهاكا لآدميتها كما في قصة “تمثال من جص”. ومن جانب آخر، تشير قصة “مرآة غريبة” إلى عدم تقبل الزوجة لفكرة أن يترك الزمن أي بصمات عليها، فتخدعها المرآة لتظهرها وهي شابة، وكأنها أكبر سنًا لتفكر في عمليات ترميم آثار الزمن عليها.
ولا تسلم الطبيعة من الأذى، بزعم غايات التوسعة والتطور ورد الأذى عن الناس، كما في قصتي “شجرة الزنزلخت” و”الغربان وشجرة الكينا وأشياء أخرى”.
وبعد، فقد نجح الكاتب مجدي دعيبس في جعل القراء يشعرون بوجع العديد من شخوص مجموعته القصصية “ألفة الوحدة” من خلال الأسلوب الغرائبي الذي اتبعه ببراعة في سرده لتناقضات المجتمع ومشكلاته وأسبابه، وإن كانت قصصه تحتمل أكثر من تأويل.

Views: 33

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى