“يد يتيمة- أيام الطفولة والصبا في فلسطين”…موسى حوامدة والكتابة كضرورة وجودية
بقلم: صفاء الحطاب
سيرة ذاتية خطها الأستاذ موسى حوامدة بمداد قلمه المسال من روحه، ليجد القارئ نفسه أمام سيرة يمكن وصفها بضرورة وجودية، مرارة معتقة، حياة بأسرها، وذكريات متجددة ودوران ملتبس!
عكس العنوان “يد يتيمة” شعورا بالاغتراب والوحدة والقلق الوجودي من الوحدة والضياع، تبدى للقارئ جليا في مواضع كثيرة من السيرة، تم تقديم الحدث عندها بطرح فلسفي عميق لفكرة الاغتراب وانعدام الأمان، وفقدان الثقة وضبابية القادم المرتبط بالاحتلال.
يأسرك السرد من لحظة اشتباكك مع النص؛ ويطرح عليك أسئلة مباشرة عن فلسطين المحتلة، وعن موسى الإنسان وإرهاصات تشكله المتعلق بالزمان والمكان، وعن تشابك العلاقات الاجتماعية تحت ظروف خارجية وداخلية ضاغطة في فترة تاريخية معقدة على مختلف الأصعدة، لتظهر السيرة وكأنها تأريخ اجتماعي سياسي، لفترة اشتباك السردية الذاتية لموسى الطموح الساعي لحياة أفضل وأكثر عدالة ورحمة؛ برغم معاناته واصطدامه بالظروف الصعبة؛ مع السردية العامة لفلسطين؛ الوطن المعرض للضياع.
استدعى الكاتب “موسى” الطفل ثم الفتى، واستعاد تاريخ حياته بتفصيل دقيق، وأخضعه لشروط زمن الاستعادة، ووعي المستعيد ووجهة نظره، ومستلزمات التعبير عن ذلك، متجاوزا شرط المسار التاريخي الحقيقي للأحداث في بعض المواضع من السيرة.
استثمر واستلهم حوامدة من الحقائق والأحداث التي عاشها فعلا ما يود نقله لنا، وتمكن بمهارة من المزج بين الراوي والروائي، واستثمر الخط العام لسيرته الذاتية، وأشبع تفاصيلها بمقتضيات التخيل وحاجاته ولوازمه، وأثرى عالمها بإمكانات السرد الروائي.
وعبر منظوره الشخصي قدم شخصيات وحيوات الآخرين، وأصبحت شخصيته الحقيقية عنصرا في مكون آخر، واقتضى هذا التحول والتغيير بين الحقيقة والمكتوب وفرض على الكاتب تداخل أساليب السرد ونظام الأزمنة والضمائر.
“يد يتيمة” سيرة روائية لكاتب مبدع، استطاع أن ينقلنا إلى عوالمه العميقة، التي سعى لإعادة تنظيمها أو التخلص مما يثقلها؛ وتمكن من حياكة قطعة أدبية فنية من النسيج الفلسطيني مازجا بين الخبر والإنشاء، وبين العام والخاص بمهارة الأديب وحس الشاعر المرهف.
Views: 69