“تينة العم مخلوف”… حديث العبر و الأحوال
بقلم طارق العمراوي
نص “تينة العم مخلوف” من أساطيرنا الشعبية كتب بقلمين للكاتب علي بن هادية وبلحسن البليش عن الدار التونسية للنشر سنة 1965.
نحى منحى النهل من الحكايات الشعبية الضاربة في القدم والتي تستحضر شخصيات خارقة للعادة في تجسيده أو في أفعالها. فكان الجني العملاق الذي جسدته الصورة في غياب الأوصاف والنعوت في النص القصصي وهذه الجدلية مطلوبة لتساهم الصورة المرافقة للنص في تقديم إيضاحات وإضافات مهمة مع شخصية ثانية مختفية لكنها أثرت في سرديات القصة وهو سلطان الجن الذي أكل تينة العم مخلوف.
أما باقي الشخصيات فهي من الإنس المقابل لعالم الجن وأولهم العم مخلوف أين عدد النص من صفاته فهو خير وطيب القلب ولوع بخدمة بستانه وغراسة الأشجار المثمرة ورغم كده وحبه للعمل لكسب قوت عياله من عرق جبينه إلا أن طموحه المشروع أن يصبح غنيا مثل جاره عبد الباسط لو عثر على كنز وهذه حال كل البشر في تلك الأحقاب والازمنة إذ العديد منهم وجد كنوز السلف مدفونة في دورهم وحدائقهم.
أما جاره عبد الباسط فاستغرب من غناء جاره الفقير بهذه السرعة لتتمكن زوجته من معرفة السر بعد أن تمكنت منها الغيرة تجاه جارتها وشخصية بنت العم مخلوف اغتنموا غرورها لسلبها الرحي وعودتها إلى البيت نادمة حزينة.
أما الحمامي فقد أخلف وعده وأمانته بأن استبدل حمار الجني العملاق بحمار ثان ليخدع العم مخلوف ليكون عقاب المحتالين العاصبين ومن يخون الأمانة الضرب بالدبوس السحري المدهش الذي بواسطته استرجع العم مخلوف الهبات الثلاث من الجني العملاق سلطان الجن.
وكاتب هذه الفرصة في التعامل مع الآخر محطة مهمة لإ عادة ترتيب أولويات التعامل مع الآخر واكتسبوا طبائع جديدة علاماتها اليقظة وملازمة الكتمان والحذر والتفطن إلى شر الحساد بعد الغفلة وإفشاء السر والبلاهة والغرور . لكن واصلوا الجود والعطاء للمحتاجين والاعتراف بالجميل للبئر وعملاقها وسببها بأن أعاد العم مخلوف بناء البئر من جديد “وعاهد نفسه على أن يرمي فيها كل سنة تينة ناضجة معسلة يختارها من بين تينانه المشتهاة.
كما تستوقفك العديد من الفواصل الهامة في النص القصصي إلى جانب أهمية الوسائل التربوية والأخلاقية التي أرادا الكاتبان تمريرهما للقارئ الطفل والذي يحتاج في هذه السن لمثل هذه المواعظ والأخلاق ليبني سلوكاته الحاضرة وفي المستقبل ومن الفواصل الهامة الرحي كمكون أساسي في البيت العتيق مع الجرار والأكياس ولباس الزوجة التقليدي
والشباك الحديدي والباب الخشبي ومقبضه الحديدي للطرق والمدخل القوسي للحمام مع الجبة التونسية والكبوس والبلغة جسدتها الرسومات المصاحبة للقضية وعددها ستة لوحات ساهمت في إثراء النص القصصي ويمكن للطفل أن يستثمرها لمزيد فهم القصة وتفاصيلها.
أما صورة الغلاف فإنها معبرة بحيث تفتح عدة مجالات للتأويل والتفسير وبسط عدة أفكار كمشاهدة عالم الجن لعالم الإنس من فوق رغم حياتهم في الأسفل كما قدمتها القصة وصبرهم على الحجارة الملقاة عليهم بدون انقطاع وبصفة جنونية كلما جدد طلبه بتينته بعد أن تم استغلال غرور ابنته او حب غيره المفرط للمال بل وعدم خوفه من الجني والتطاول عليه وتهديده بهدم البئر بعد أن قدمت تفاصيل القضية جشع الإنسان وخيانته للأمانة واتصافه بعده أوصاف لا تليق به مع تمكن العدد ثلاثة من مجموع ما كتب للأطفال كرمز تقليدي امتد منذ حكايات الأجداد بل أبعد في مسيرة النص الأسطوري كانت هنا هبات ثلاث الرحى والحمار والدبوس السحري وقد التجأ العديد من كتاب قصص الأطفال لهذا الرقم لإضفاء رمزية العدد ثلاثة السحري والجذاب والذي توارثته الحضارات والأجيال ليكون النص في الأخير له مقاصد مضمونية أخلاقية رفعة مع لغة سلسلة يمكنها أن تشد الطفل القارئ لمتابعة أحداثها وتمفصلاتها وأخذ الدروس والعبر منها.
Views: 173