من مخطوطات “شن” المفقودة..بقلم أمين أسعد زيد الكيلاني
على اريكة الماضي
يقولُ الراوي: شاهدتُ شَنّاً جالساً على أريكةِ الماضي القريبِ، يرقبُ شوارعَ الزمنِ فيه. فوجدَها مظلمةً رغمَ اضاءَتِها، ضيقةً جداً رغمَ وسعِها، وسرعةَ بطئِها نفاثةً، والصعودَ الى هاوِيتِها كَمَن تَحمِلهُ الريحُ في مكانٍ سحيقٍ. فأحزانُها مولودةٌ من افراحِها دونَ تَزاوج. بسيماتُها شاحبةٌ، أفراحُها شاحبةٌ، أحزانُها شاحبة، شموسها وغيومها شاحبةٌ. أغنياؤُها فقراءٌ. وفقراؤُها فقراءٌ. وكلُّ فقيرٍ منهُم على شاكِلَتِهِ. جَوعَى وبطونُهم مليئةٌ. أدركَهم البطرُ وَهُم مُفلِسونَ.
تسارعَ عليها الزَّمنُ فَغَيَّرَ ألوانُها ثلاثاً:
ولادتُها – كانت بيضاءُ من غيرِ سوءٍ، فَرِصِفَت بالرُّخامِ والمَرمَرِ.
شبابُها – كانَ اسودُ كلباسِ الليلِ، فًعُبّدَت شوارِعُها بلونِهِ بما يُسَمَّى(الزّفتُ). فَحملَت إسمَهُ طباعُها وأنجَبَت كلُّ زفتٍ زفتاً من بعدِهِ.
كُهولتُها – إِرتَدَت فيها ثَوبَها الأَحمرَ، فَنزَفَت فيها دماءُ أبنائِها بثمَنٍ بخسٍ، بل بدونِ ثمنٍ.
لجأ شنٌّ بعدَ هذهِ المعاينةِ، إلى الحائكِ المنسيِّ خلفَ خيوطِ الترقيعِ المهترئةِ.
وطلبَ منهُ أَن يلجَ في سَمِّ الخياطِ ضَرباً لٍلمُستَحيلِ، لعلَّهُ في ذلكَ يعيدُ رشدَ ماضيه القريبِ البعيدِ إلى ما كانَ عليه سابقاً. فيرتَدِي ثوبَهُ الرُّخامِيَّ. فَتنتشي ليالي العنبِ والتينِ احتفالاً بشذراتِ نجومِها. والنخلةُ تساقطُ على ثكالى العصرِ رطباً جنياً.
إلتفتَ شَنٌّ إلى زاويةِ حاضرهِ، فوجدَ طيفَ طبقةٍ حاضراً. فناداهُ قائلاً:
يا طيفُ طبقة : حين ضاقَ بي طوقُ الحبِّ ذرعاً، ذرعتُ الارضَ أمناً، فلَم أجدْ سِواكَ.
يا طباقُ : لقد بلغني نبأٌ.
فعلمتُ من خلالِهِ، ما بِكِ من غضبٍ على بناتِ الدهرِ الخؤونةِ. لكنني لا اعلم ان كنت تعلمين مدى غيظي على أبناءِ زمنِ الرويبضةِ الغادرين. هؤلاء الذين نهلوا من لَبان الرذالةِ ومن ثدي الدنيا الدنية، فنشأوا على الدناءة وشبوا على الرذالة نهجا. هؤلاء الذين امتازوا بل وتميزوا بالخيانة والغدر. فتراهم يمطرون الارض رجسا وهم يظنون أنهم يتطهرون.
يا طباق : هل تذكرين حين حدثتك علنا عن الفرزدق شاعرا؟ وعن قصيدته “العصماء”هذا الذي تعرف البطحاء وطأته.ضربة جزاء؟
وهل تذكرين يا طباق أيضا، حين أفشيت لك سرا، بأن الفرزدق – وهو همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي، المكنى بأبي فراس. كان من أنصار أجدادي جهارا وقد بكاهم حبا.؟
فحينها بلغ الزهو مني مداه. تماما كما بلغ الزهو لدى الفرزدق بجده صعصعة؟. وهل اخبرتك كذلك، كيف بعد كل ذلك. أني كدت ألمس السماء وأن أتخذ منها مقعدا ؟.
وهل اعلمتك يا عزيزتي أيضا. بأني ولدت من رحم الشمس ومن صلب القمر. فلا يجهل حقيقة امري الا من كان جاهلاً، ولا ينكر حقيقة وجودي الا جهول.
ودوا يا عزيزتي، أن يطفئوا شعاع أنواري حسدا من عند انفسهم، لكن هيهات لهم، إنهم قوم لا يفقهون. بل هم قوم عمون.
همس الفرزدق ذات يوم في أذن شن قائلا له بتفاخر.
هل تعلم يا شن بان الصحابي الجليل الاقرع بن حابس -رضي الله عنه – انه خالي . اي ان الاقرع اخ امي ليلى بنت حابس؟.
فرد عليه شن هامسا في أذنه وهو يبتسم. هل تعلم يا ابا فراس. بانني من سلالة الحسن بن علي صلبا ومن نسل أخيه الحسين رحما؟. رضي الله عنهما، وعلى جدهما نور البرية وعلى والديهما افضل الصلاة وازكى التسليم.
فشمر الفرزدق عن ساقيه ونض عن ذراعيه. وحد بالحروف لسانه. وقال يا شن
ساهجو كل من حام في سمائك محاولا قنصك.
فابتسم شن وأسرها في نفسه.
أمين أسعد زيد الكيلاني(شن)
عاره – قضاء حيفا
الثلاثاء : 8/12/2020
Views: 24