الكيان الصهيوني من “شعرة ذيل الحصان” إلى “الضفدع المغلي”
محمد أبو عريضة
أطلق جمال عبدالناصر في ستينات القرن الماضي فرضية لخنق الكيان الصهيوني، وذلك خلال حوارات عربية تناولت سبل تفعيل مقاطعة هذا الكيان. صحيح أن فكرة المقاطعة ظهرت عام 1951 بتأسيس مكتب المقاطعة العربية في جامعة الدول العربية، الذي كان ينشر لائحة سوداء مرتين في العام، يضع فيها هذا المكتب أسماء كل الشركات “الإسرائيلية”، وأسماء تلك التي تتعاون مع الكيان الصهيوني، غير أن ضرورات تفعيل المقاطعة وتطوير آلياتها نشطت في الستينات، وهو ما دفع عبدالناصر ليدلي بدلوه في هذا الشأن حينذاك. وصحيح أن هذا المكتب ما زال موجودًا كأحد هيئات الجامعة العربية، غير أنه بلا مهمات واضحة أو أنه بلا أي نشاط يُذكر، بعد أن طبّعت عدد من الحكومات العربية علاقاتها مع هذا الكيان في العلن – ثمانية أعضاء في الجامعة العربية بما فيها السلطة الفلسطينية -، أما باقي الحكومات فهي: إما أنها نسجت علاقات مع الكيان في السر، أو أنها مشتبكة في صراعات معقدة تجعلها غير قادرة على إيلاء هذا الملف أدنى اهتمام.
اجترح عبدالناصر فرضيته من واقع حياة الفلاحين المصرين، وأطلق عليها محمد حسنين هيكل “تقنية” الخنق بشعرة من ذيل الحصان. اعتاد الفلاح المصري إذا لاحظ وجود زوائد لحمية في جسم ثوره، الذي يستخدمه في أعماله المختلفة، أن ينزع من ذيل الحصان شعرة، يربطها بإحكام حول مكان التقاء الزائدة بجلد الثور، وبذلك يمنع وصول الدم إليها، فتموت، ويتخلص الثور من ازعاج هذه الثور. بينما تحدث آخرون عن أن الفلاح المصري، إذا ما أراد “إخصاء” الثور، ينزع شعرة من ذيل الحصان، ويربطها بإحكام حول مكان التقاء خصية الثور بجلده، وبذلك تموت الخصية بعد منع الدم من الوصول إليها.
هذه الفرضية انتهت بوفاة عبدالناصر، ومجيء السادات، وفتَحَ “أوتستراد” العلاقات مع الكيان الصهيوني بكل الاتجاهات، وجهز الأرضية لدخول دول عربية أخرى بيت الطاعة الصهيوني – ثمان حكومات في العلن وأخرى في السر -، ومهد الطريق لاستدخال الانكسارات والهزائم العسكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية، ولولا أن بقيت المقاومة، كفكرة عميقة الجذور في وجدان العربي، ولا سيما في وجدان أؤلئك المشتبكين مع العدو الصهيوني – الفلسطينيون وشعوب دول الطوق -، وتشكل قوى اجتماعية أفرزت أجيال مقاتلة بالبندقية والفكرة والكلمة – فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله وأنصار الله والمقاومة العراقية وغيرها -، لتأبد الانكسار وهيمنت روح الهزيمة، واستسلمت الجماهير، ورفعت الراية البيضاء، وأعلن الكيان دولته من الفرات إلى النيل.
مقاربة أخرى جديرة بالاهتمام، تتمثل بنظرية جديدة قرأت عنها قبل أيام، يبدو أن قوى المقاومة تؤمن بها، وبعقل بارد وقلب دافىء يجري تنفيذها بهدوء واقتدار منذ السابع من تشرين الأول / أوكتوبر الماضي “طوفان الأقصى”. هي نظرية “الضفدع المغلي”، وتتمثل في قصة شائعة تقول: إن الضفدع سوف يقفز فورًا، عند إلقائه في ماء يغلي، بينما إذا وُضِع في الماء فاتر معتدل الحرارة، ومن ثَمّ جرى تسخينه ببطء، فإن الضفدع لن يقفز وسيبقى في الماء حتى بعدما يصير حارًا جدًا، لأنه لن يشعر بالخطر التدريجي القادم، وبذلك يموت عندما تبلغ درجة حرارة الماء قدرًا مميتًا.
بعض الحريصين وآخرون لا يبصرون، وبعض ثالث يتهكمون بأدوار مرسومة لهم، يسأل كل هؤلاء: ما دام محور المقاومة قائمًا وقويًا “كما تدّعون”؛ لماذا لا تضرب إيران ويضرب حزب الله، ويضرب اليمن، وتضرب الفصائل العراقية، وتتدخل سورية وتضرب ما دام الجيش السوري قادر على ضرب المجموعات المسلحة “كما تقولون”؛ ضربة واحدة موجعة، ونتخلص من هذا الكيان؟
سؤال وجيه، لكنه ملتبس. هو ملتبس لأكثر من سبب، لكني سأورد سببًا واحدًا فقط: تأسس هذا الكيان كمشروع استعماري لحماية مصالح بريطانيا في المنطقة، وإدامة سيطرتها، وهيمنتها ووجودها قرب منابع النفط “الكنز”، ومن ثَمّ ورثت أمريكا هذا المشروع. صحيح أن العلاقات بين تل أبيب وواشنطن متشابكة، يصعُب وضعها في قالب واضح المعالم، غير أن هذا لا ينفي أن الكيان الصهيوني مجرد مشروع، وأثبتت الأحداث، بخاصة بعد “طوفان الأقصى” صحة ذلك، فمن دون أمريكا والغرب يذبل الكيان ويموت بالسكتة الدماغية. لذلك فإن القضاء على هذا الكيان، كما قال السيد حسن نصر الله غير مرة، لا يسقط بالضربة القاضية “إلقاء الضفدع بماء يغلي”، بل بالنقاط “وضعه في ماء فاتر” أو بـ”شعرة ذيل الحصان”.
Views: 9