نص

“هَيهَاتَ قَالَت” قصيدة للشاعر د.ضياء الجنابي..مع قراءة نقدية للأستاذ الفرات بن علي

القصيدة:

         كَونٌ تَلَطّخَ بالصّراخِ وبالدّماءْ

                                 ومَدينةُ الشّهداءِ تَعتَرِشُ السّماءْ

         هِيَ بِنتُ تَاريخِ البسَالةِ والحِجَى

                                     هِيَ أُمُّ طُوفانِ المَلاحمِ والإِباءْ

         ذَلّتْ بكَرَّتِها التَجَبُّرَ وانْحنَى 

                                    ذُعْراً لَها كُلُّ الجَبابِرِ فِي اللّقاءْ

         عَطَشٌ وَجُوعٌ والرّدَى حِمَمٌ ومَا

                                هَدَأَتْ بأَضلِعِ صَبْرِهَا شِيَمُ الفِدَاءْ

         هِيَ غَزَّةٌ للظُلمِ قَدْ قَالَتْ كَفَى

                                      فَتَنَفَّسَتْ بسكُوتِنَا رِئَةُ الرَّجَاءْ

         هَيهاتَ قَالَتْ والدُّنا أَصغَتْ لَهَا

                                      سَنَّتْ لأَحرارِ الأَنامِ الكِبرِيَاءْ

         يَا أخوَتِي هُبُّوا لَهَا فَلَقَدْ طَغَى 

                                خَطْبٌ وجَاشَتْ فِي ثَراهَا كَربَلاءْ

*       *      *

Screenshot

القراءة النقدية:

لا شك أن القصيدة العمودية لا تزال ذات مساهمة خطابية فريدة  في التعبير عن ثلاثية التكوين الحياتي البكر، الأرض والزمن والإنسان، بلا مواربة

وبلا مجانية في آن واحد في امتياز محسوب لها إنطلاقا من عفوية الموهبة وبراعتها كذلك، سيما في الأحداث المصيرية الراهنة في فلسطين المحتلة التي يستغرق فيها التأطير الفني في عمقه الموروث،ويكرُّ ثانية نحو صناعة الوعي المطلوب في سبيل الخلاص والتحرر، كما أنها، أعني القصيدة العمودية، ذات قابلية متميزة في التفوق على الوهن في التجربة، إذا تباعدت عناصرها، باستحداث بعدين كليين معاً، حالياً، هما وحدة البيت الموروثة كصورة ممتلئة الطاقة كفيلة بإحداث فارق جمالي مؤثر جداً في أضيق مساحة زمنية، ووحدة الموضوع الحداثوية ذات الإرادة الإبداعية في معادلة الأحداث الجسام خطابياً، علاوة على وحدة الموسيقى، وزناً وقافية، التي تتمرس الحدث الواسع النطاق وتتبناه كأنه حصل أولا في القصيدة بمثابة نبوءة أو رؤيا ثم امتزج بالواقع وتبلور فيه، وما لوحة الدكتور ضياء الجنابي الهمزية إلّا حالة شعرية بليغة الدلالة بخصوص الإفصاح العمودي الموروث المعاصر عن الأجواء الإبداعية التي شكلتنا فيها بانفعالية عالية وفاعلية لا تقل علواً.. 

كَونٌ تَلَطّخَ بالصّراخِ وبالدّماءْ

                                 ومَدينةُ الشّهداءِ تَعتَرِشُ السّماءْ

وهذا اتساع واقعي في الصدر وامتلاء مثالي في العجز يوحدهما بحر الكامل المزيد بالتذييل والقافية الهمزية المعبرة عن بدء الناطقية ورقيها .

ولا يفقد الشاعر جرّاء الانفعال الشديد طاقة التركيز الحيوية ذات العناصر المتمازجة، فيقول..

         عَطَشٌ وَجُوعٌ والرّدَى حِمَمٌ، ومَا

                                هَدَأَتْ بأَضلِعِ صَبْرِهَا شِيَمُ الفِدَاءْ

الى أن يتبلور الموقف الشعري في ثلاثية الحياة، كما بينا، اتحاداً جوهرياً بين الفرد والمجموع في مشهدية ثورية مبدعة منبعثة من جذور الانسان الحقانية المتمثلة بكربلاء – المرجعية الثورية العربية الذاتية النشوء .

يا إخوتي

هُبوا لَها

فلَقَد طَغى خَطبٌ

وجاشتْ في ثَراها

كَربلاء …

ولقد عمدت إلى تشكيل البيت معمارياً بطريقة حديثة لكي نتبين حيوية الصورة وذروة الحدث الشعري الذي جمع باقتدار فني بين وحدة البيت ووحدة الموضوع وطاقة العمود العالية في الانشغال  بالحداثة. مع فائق الإعجاب .

تقييم القراءة

إشراق وإمعان في وقفة الجذور العريقة رغم أنف النار الغاشمة وطغيان التطهير العرقي ..حقاً إنّه صوت شعري عربي مقاوم يتاهب فارعاً لنشيد النصر المؤزر إن شاء الله .. بوركت أخي الشاعر المتميز د. أبو دانية الثمين وبورك شعر الحقيقة والنضال.

*       *      *

Views: 87

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى