هل تُسمع كلمة “الأدب” تحت قصف المدافع؟!
بقلم: صفاء الحطاب
قرأنا ونقرأ قصائد وملاحم وحكايات بطولية و”أدب” أمم عاشت حروبا وصراعات دموية ومذابح مروعة، تفاعلنا معها وتعاطفنا مع شعوبها، وتعلمنا الدروس والعبر (نظريا)، وقد نكون زرنا الأماكن التي قرأنا عنها وكانت مسرح تلك الأحداث، والتقطنا صورا في الموقع والسكينة تملأ المكان، وقد نكون قلنا شعرا من وحي اللحظة!
لكن ما هو الحال والمعارك مشتعلة والإبادة مستمرة؟!
هل يمكن للأدب أن يجعلنا نفكر بالأفراد تحت القصف والأنقاض، الأفراد الذين يجوعون ويحترقون ويذوقون ويلات شتى أنواع المعاناة الإنسانية ثم يموتونّ!
قد تكون البشرية تدين لبعض الأدباء والمثقفين الذين لعبوا أدورا خالدة في مناهضة الحروب عبر كتاباتهم الإبداعية، ومن المفارقة أن تلك الحروب قد ألهبت أفكار ومشاعر هؤلاء الكتاب لإبداع أيقونات روائية أدبية خالدة، لم تكن الكتابة بذاتها هي المقصودة عندها بل كانت أداة للمقاومة تارة وللتوثيق تارة أخرى، في غياب دور الصورة الملتقطة لمشاهد الإبادة والقتل والدم والفجيعة وكل الدمار الذي باتت تنقله لنا وسائل الإعلام المرئي بلمح البصر، لنرى بأم أعيننا ما يجعل الولدان شيبا!
وكان سؤال الأدب الذي يحاول كل مبدع بطريقته أن يجيب عنه يتمحور حول منبع وجذور الشرور البشرية والرغبة بالقتل، وتحليل الأسباب والنتائج، ثم اتخاذ موقف أخلاقي معين من الصراع المقصود.
فمن الحديث عن حرب طروادة مرورا بدوستويفسكي وانتهاء بغسان كنفاني وكل من كتب أدب الحرب والمقاومة، كان المبدع يكتب نصوصا أثناء اشتعال جذوة الحرب تفيض بالتشكيلات الجمالية برغم خروجها من الحرب ووحشيتها، وقد يكتب المبدع بعد انتهاء المعارك مستثمرا الأدب للتعبير عن شهادات الناجين وما عانوه من ويلات لإيصالها إلى العالم، وفي الحالتين؛ صرخات الضحايا وعيونهم واستغاثاتهم وأشلاؤهم هي التي كانت ولا تزال تكتب ملحمة الانحطاط البشري الذي تنقله لنا الكاميرات الآن لحظة بلحظة بعيدا عن الكتابة والأدب؛
فهؤلاء الأفراد تحت القصف وكل ما ينتجونه من أدب تعبيري بأي وسيلة متاحة لهم هو ما يمكنه أن يكون مؤثرا فعلا الآن وفي كل وقت!
الحرب بالنسبة للمبدع وللناس جميعا كائن متوحش، يجعل الحياة خاوية بلا معنى، ويجعل الإنتاج الأدبي بصورة عامة مهما بلغت جودته تحت تأثير الموت والدمار القائم أقل فاعلية وتأثيرا مقارنة بوقت آخر،
وكما قال المبدع العراقي حسن مطلك عن أدب الحرب:” فحظ الخيال أقل، وكلمات العزاء أقل فاعلية وتأثيرا من الفعل، فلا قيمة للعزاء إذا لم يقدم على شكل فعل، أن تعمِّق معي خندق القتال، أفضل من أن تقول لي: اصبر!”
Views: 7