كتاب

المروي الشعبي الأردني في “حكي القرايا” للكاتب رمضان الرواشدة


المروي الشعبي الأردني في “حكي القرايا”
بقلم صفاء الحطاب
“حكي القرايا” للكاتب الأستاذ رمضان الرواشدة تمثل عملا إبداعيا توثيقيا ولوحات فنية متتالية تقدم تصويرا للتاريخ الشفوي بمنطقة جنوب الأردن، وتعتني بتفاصيل التراث غير المادي من خلال تضمينه في ثنايا السرد كالأهازيج الغنائية وأنواع الطعام وربطها بالمناسبات الخاصة بتقديمها “كمنسف الجريش” و”المعلاق بالسمن البلدي”، وعبر ذكر الأبطال والرموز الراسخين في الذاكرة والمخيال الجمعي، الذين تحيط بهم بعض القداسة والتبجيل من مثل “سطام الكركي”، وتوظيف قصصهم المروية شعبيا في بناء اللوحات السردية في “حكي القرايا”، وتوصيف ما كانوا يتمتعون به من صفات الشجاعة والفروسية الأصيلة من خلال مواقف جمعها الكاتب عنهم من الروايات الشفوية ووظفها في سرد الحكاية.
غطت الرواية زمنيا فترة تمتد لأكثر من مائة وخمسين سنة، لذلك كان الزمن غير منتظم تماما في الحكاية، بل عبر ومضات تاريخية مفصلية في ذاكرة الجنوب خاصة والأردن عامة، بنى الكاتب مفاصل روايته في نهاية سيطرة الدولة العثمانية على المنطقة، ليعكس جوانب مختلفة وانعكاسات اجتماعية كوجود العبيد في القبائل، واعتماد الناس في المعرفة على شيوخ الدين القادمين لتعليمهم فقط، نظرا لسياسة التجهيل التي سيطرت على المنطقة والأطراف في نهاية الدولة العثمانية، وبعد المكان عن حاضرة الأستانة، وما صاحب ذلك من تخلف معرفي وديني وعلمي، والصراعات الداخلية بين القبائل وقطاع الطرق والغزو وما يصاحبه من حالة عدم استقرار دائمة، والمخاوف المسيطرة على الناس من الأطماع الدولية المحيطة كما هو حال وقدر هذه المنطقة على مر الزمن، وتنتهي الحكاية بقيام الثورة العربية الكبرى وصولا لقيام الدولة الأردنية الحديثة.
مسرح أحداث الرواية المكاني كان جنوب الأردن، لارتباط المحتوى بالتاريخ الشفوي المروي لتلك المنطقة تحديدا، وكان الأبطال يتحركون بين الشوبك والكرك ومعان والبادية الجنوبية، وقد صور الكاتب طبيعة المنطقة من جوانب مختلفة كالمحاصيل الزراعية التي تنتجها وأسماء ينابيع الماء المهمة في المكان.
ركزت “حكي القرايا” على بعض القضايا المهمة في الوجدان الجمعي الأردني كارتباط الأردنيين التاريخي بالقضية الفلسطينية، وقصة الشيخة علياء الضمور التي رفضت تسليم الدخيل الفلسطيني “قاسم أحمد” لجيش إبراهيم باشا القادم من مصر بحثا عنه خير مثال على ذلك،
ومن القضايا المهمة أيضا التي قدمتها “حكي القرايا” مكانة المرأة في المجتمع الأردني، ودورها المحوري المقدر في الأسرة والقبيلة ودائرة اتخاذ القرار،
كان الراوي العليم مطلع على كل تفاصيل الحكاية، ينقل لنا قصصا متداخلة عبر مرحلة زمنية طويلة، دون أن نتماهى مع الشخصيات وأفكارها ومشاعرها، بل جاءت “حكي القرايا” كمروية عميقة حفرت في الوجدان الأردني، تفتح الباب أمام المهتمين نوافذ الإلهام لكتابة روايات متعددة منبثقة من هذا التوثيق الثمين للتاريخ الشفوي الأردني.

Views: 5

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى