كاتب

محمد المشايخ : مصابيح قصصية تستشرف المستقبل

شارب الجنرال لسمير برقاوي:

في الوقت الذي أعلن فيه كثيرون عن وفاة فن القصة القصيرة، تظهر بعض المجموعات القصصية، التي تؤكد أن حياة القصة في تجدد، ومنها مجموعة(شارب الجنرال) للقاص سمير البرقاوي، ابن الشارع العربي، الملتزم بهموم أمته، والذي لا يشغله في قصصه إلا أرق الجماهير، وفي الوقت نفسه البحث عن سبل الارتقاء بفن القصة، وتجاوز كل الذين سبقوه جماليا وموضوعيا، ورغم انه مستقل، وبعيد عن التقليد أو التجريب، أو التأثر بمن سبقه من القاصين، إلا أن نار الإبداع والابتكار والتجديد تغلي في عروقه، ومن هنا تمتعت قصصه بحمولة فكرية ووطنية جادة، وبدت لما فيها من تجديد جمالي، بأنها مكتوبة للنخبة فقط. لا ترتبط قصص سمير برقاوي، على الصعيد المكاني، بدولة أو مدينة محددة، الأمر الذي جعل منها قصصا كونية بنكهة إنسانية، رغم أن أحداث بعضها انطلقت من الوطن العربي دون تحديد أي قطر فيه.

أما على الصعيد الزماني، فإن كثرة الأفعال المضارعة في القصص، تربطها بالحاضر، وتبشر بالمستقبل الأجمل الذي تستشرفه، لا سيما وأنها في كل أحداثها تربط – في مفارقة جميلة – بين العتمة والنور، وبين الظلام والضوء، وتنتصر دائما للخير في مواجهة الشر.

وبجرأته، أبدع سمير برقاوي قصصا لا تهاب الواقع، بدليل أنها تضع منغصات حياتنا تحت الضوء للتعامل معها بوضوح، جالدة الذات

الفاسدة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. أما مصابيحه القصصية، فتجعله واحدا من أقدر القاصين المحليين على رصد الخلل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الوطن العربي، والتعبير الصادق الجميل عن وقع ذلك الخلل على وجدانه، بأسلوبه السهل الممتنع، وبصوره القصصيّة الكاريكاتوريّة للشّخصيّات البريئة حين تقع بين يدي المحيطين بولي الأمر دون أن تعرف التهمة الموجهة لها، وخير دليل على ذلك: القصة التي تحمل عنوان المجموعة، والتي تؤدي إلى التحقيق مع من يحلق شاربه بالخطأ بعد اعتقاله والتحقيق معه وسجنه ثم موته،

وفي قصة إذعان، تقرر المعلمة أن الطالب ابن السبع سنوات سيشكل عند مكبره خطرا على الإذعان القومي فيتم اعتقاله أيضا، وفي قصة لافتات، يتوقف الخطاط عن كتابة شعارات المرشحين للانتخابات، على اليافطات، لأنه وعامة الشعب لا يريدون أقوالا، بل أفعالا، وفي قصة امرأة من آخر

زمن، يحصل ولي الأمر على وسام، لاستشهاد أحد أبناء ولايته، بينما يتجرع ذوي الشهيد، الحسرة والأسى والحزن والألم، ويشرب القاص حليب السباع في قصة (المسيرة) التي يسير بطلها في الاتجاه المعاكس للحشود الهادرة، وعكس التيار البشري الذي يشيد بولي الأمر وإنجازاته، وعندها فقط، يشعر بالتحرر والانعتاق، وفي قصةالنور والعتمة أيضا تصل الجرأة مداها، حين يكشف القاص عن براميل ت حتوي على نفايات

نووية، بدل الذهب، أو المال، أو التحف الأثرية التي حفرت الشخصيات الرئيسية والثانوية في القصة لتعثر عليها باعتبارها كنز تمتلكه البشرية.

وقد أدى تسييس سمير برقاوي لفن القصة، إلى جعل شخصيات منجزه القصصيّ السّياسيّ ذات حضور رمزي، مختلف عما في القصص

الواقعيّة، بل إنه لجأ إلى الفنتازيا، باعتبارها من أهم معالم ما بعد الحداثة، يقول في قصته(المتحولون)والتي ترمز إلى ما فعله سوء الوضع

الاقتصادي ببعض الكادحين:"كان يهولني رؤية أبنائي يحملقون ببعض بأعينهم التي أخذت تتلوّن باللون الأحمر الدموي، ثم أخذوا يصدرون أصواتا حيوانية من أفواههم بينما أسنانهم وأنيابهم تكبر بطريقة أرعبتني.

يُذكر أن القاص سمير البرقاوي من مواليد عام1965، حاصل على بكالوريوس تجارة من جامعة ناكبور: الهند، يعمل في القطاع الخاص، ومن مجموعاته القصصيّة:ذاكرة الرماد،1992.الدقائق الخمس الأخيرة من عمر الكون،2008، شارب الجنرال،2021، وهو عضو رابطة

الكتاب الأردنيّين، وعضو الهيئة الإداريّة لفرع الرابطة في الزّرقاء لأكثر من دورة، وعضو الاتّحاد العام للأدباء والكتاب العرب.

Views: 905

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى