نص

من المنصة إلى الجمهور.. مسؤولية الحدث الثقافي 

صفاء الحطاب

في المشهد الثقافي المتسارع، تظل المهرجانات والمؤتمرات الثقافية إحدى أبرز الأدوات التي تعكس نبض المجتمعات، وتحمل رسائلها إلى الداخل والخارج، وتمنح الثقافة مساحة مرئية وحيوية في الفضاء العام.

لكن النجاح الحقيقي لهذه الفعاليات لا يُقاس فقط بعدد الحضور أو حجم التغطية الإعلامية، بل يرتبط بدرجة الوعي في تنظيمها، ومدى قدرتها على أن تكون فاعلة، مؤثرة، وجامعة؛ إن تنظيم أي حدث ثقافي لا بد أن ينطلق من معطيات دقيقة ومحددة؛ تتعلق بطبيعة المحتوى، والجمهور المستهدف، والموارد المتاحة، والهدف المرجو من الحدث.

لكن هذه المعطيات – على أهميتها – لا يمكن أن تكون ثابتة أو مغلقة؛ فالثقافة بطبيعتها كائن حي، يتأثر ويؤثر، يتبدل ويتجدد، ولهذا فإن من الضروري أن يدخل في اعتبارات التنظيم مستجدات الزمان والمكان، وأن تُراعى الظروف الاجتماعية والسياسية والتقنية التي تطرأ على الساحة، لأن تجاهل هذه المتغيرات يفقد الحدث صلته بالواقع ويجعله معزولاً عن بيئته.

إذ لا يمكن أن يكتمل أثر أي مهرجان أو مؤتمر ثقافي دون إشراك فئات متنوعة من المعنيين بموضوع الحدث؛ من أصحاب التجربة، إلى الباحثين، إلى الممارسين، إلى المتلقين؛ فالثقافة لا تُنتج في صوامع النخبة وحدها، بل هي نتاج تفاعل جماعي، ولهذا فإن مخاطبة مختلف الشرائح – شبابًا وكهولاً، مثقفين وعامة – بصفتهم جزءًا من الحدث، ليست مجرد واجب تمثيلي أو تنويعي، بل هي جوهر التأثير الثقافي الذي يجب أن يسعى إليه المنظمون، والمثقفون، وكل من يعمل في حقل الثقافة.

ومن المهم أن نتذكر أن الحكم على نجاح أو فشل أي فعالية ثقافية ليس أمرًا مطلقًا أو محسوما سلفًا. فهو رهن بمعايير قد تختلف من جهة لأخرى، ومن تجربة لأخرى؛ فهل النجاح هو الحضور الكثيف؟ أم هو الأثر الممتد؟ أم هو مستوى الحوار؟ أم التجديد في الطرح؟

كل هذه أسئلة مشروعة، تعني أن المنظمين – مهما امتلكوا من خبرة – لا يمكنهم التنبؤ بنتائج التجربة بدقة مطلقة، لأن العناصر ذاتها التي تُبنى عليها الفعالية، قد تُنتج نتائج مختلفة بمجرد تبدل السياق، أو تباين الجمهور، أو تغير التوقيت.

إن المهرجانات والمؤتمرات الثقافية ليست مجرد احتفاء شكلي أو تقليد موسمي، بل هي ممارسات مسؤولة، تتطلب مرونة فكرية، وحسًّا استشرافيًا، وجرأة في المراجعة والتجريب. وما لم يتحلّ المنظمون بهذه الروح النقدية والديناميكية، فإنهم يعيدون إنتاج الصيَغ ذاتها، بلا أثر يُذكر.

في المحصلة، لا يمكن للثقافة أن تؤدي دورها في التغيير والتأثير إذا لم تنفتح على جمهورها، وتستجيب لتحولاته، وتُشركه في صناعة معناها؛

وتنظيم الفعاليات الثقافية – مهما اختلفت تسمياتها – هو التجسيد العملي لهذا الانفتاح؛ إنها مساحة اختبار حقيقية للمثقف، وللمؤسسة الثقافية، وللقيم التي يُراد لها أن تُقال وتُسمع وتُناقش في العلن!.

Views: 20

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى