دون تصنيف

حقوق الإنسان… شعارات على المقابر


بقلم صفاء الحطاب

في تسعينيات القرن الماضي، شهدت رواندا واحدة من أبشع المذابح في التاريخ الحديث، حيث قُتل نحو 800 ألف إنسان خلال مئة يوم فقط، بينما وقف العالم متفرجاً!
لم تكن حياة البشر هناك ذات قيمة في ميزان القوى الكبرى، لأن رواندا ظاهريا لم تكن ساحة غنية بالنفط
أو موقعاً استراتيجياً يثير شهية المتنفذين في النظام العالمي.

اليوم، وبعد ثلاثة عقود، صارت رواندا وِجهة اقتصادية صاعدة في إفريقيا، تستقطب الاستثمارات والسياحة والتكنولوجيا، لكنها نهضة بُنيت على أكوام جماجم لم تجد من ينصفها في وقت المجزرة.
الأكثر مرارة أن بعض القوى التي كان من المفترض أن تكون قوات “حفظ سلام” بين المتنازعين، تدخلت لصالح طرف ضد الآخر ضاربة بعرض الحائط كل المواثيق الإنسانية الدولية؛ ثم خرجت لاحقًا بعبارات اعتذار متأخرة، وكأن الاعتذار يكفي لمحو دماء مئات الآلاف من الضحايا.

المشهد يتكرر في غزة، ولكن بصورة أكثر وضوحاً وفضحاً للنظام الدولي؛
تحت أنظار الإعلام والعدسات، يعيش أكثر من مليوني إنسان الموت يومياً بين القصف والحصار والتجويع.
ومع ذلك، تتعامل القوى الكبرى ببرود، بل وتواطؤ، ليس لأن المأساة أقل خطورة، بل لأن حسابات المصالح تفرض نفسها؛ التحكم بخطوط الطاقة، وضمان النفوذ السياسي في منطقة مشتعلة.

في الحالتين، رواندا وغزة، انكشف الوجه الحقيقي للنظام العالمي؛ الإنسان بلا قيمة؛ أما القيمة الحقيقية فهي لموقعه الجغرافي أو لثرواته الطبيعية التي تصلح مادة للابتزاز أو الاستثمار!
حينها فقط، تتحرك القوى الكبرى، لا بدافع إنساني، بل رغبة في فرض نفوذ جديد، أو اقتسام مناطق الصراع بالقوة.

ما يجري اليوم يكشف أن النظام الدولي لم يُعولِم القيم الإنسانية، بل عولم المصالح. الشعارات عن حقوق الإنسان والعدالة الدولية لا تصمد أمام بريق المال وسلطة السلاح. والنتيجة: مذبحة في رواندا بصمت، وإبادة في غزة على الهواء مباشرة، مع ذات العجز وذات التواطؤ.

ويبقى السؤال الأهم: إلى متى سيظل الإنسان مجرد تفصيل صغير في حسابات القوى الكبرى، وثمنًا يُدفع لتوسيع مناطق النفوذ والسيطرة؟!

Views: 27

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى