كاتب

هل قرأت عيسى الناعوري؟

دعاء صفوري

    حريٌّ بنا الالتفات إلى الأسئلة أكثر مما ننتظره من إجابات. لأنها ما يدفعنا دوماً إلى الصدق أو حتى انتحاله؛ وصولاً إلى درء باب التلعثم والهرب من وقع إجابة النفي.

عيسى إبراهيم الناعوري (1918-1985) الأديب؛ الشاعر والباحث والروائي والقاص والناقد والمثقف والمترجم البارز عن اللغة الإيطالية. صدر له مؤخراًالمجموعة القصصية “حكايا جديدة” عن وزارة الثقافة الأردنية، ضمن البرنامج الوطني للقراءة “مكتبة الأسرة الأردنية”/ القراءة للجميع. 

    وفيما ورد من سيرته، حديثه عن طفولته في كتابه “الشريط الأسود”: ” أنا إنسان قدر عليه في طراوة السن أن يحطم الصخر، ويفتت الحديد بيديه، لكي يستخرج منها ما يأكل ويشرب ويلبس، وكم مرت بي أيام حسدت فيها المتسولين، لأنهم لا يجوعون”. جاء بحثي عن حياته، بعد أن قرأت القرية ومعاناة الناس التي تناول الناعوري جوانبها: “أقاصيص من القرية” و”أقاصيص متفرقة”، في مجموعته القصصية المشار إليها بدايةً.

    يظن القارئ أن جملة “مأخوذ عن قصة واقعية” كفيلة بجعل المادة المقروءة تجاوز خيال المؤلف، فيأتي انفعاله الشعوري مع الحدث مضاعفاً. لأنه حصل على تأكيد في العتبة الأولى جعله يركن إلى الحقيقة. لكن هذه الجملة عند الناعوري على الرغم من أنها غير مُسطَّرة؛ إلّا أنها تجلّت تلقائياً وشعورياً، في كل المشاهد وفي ثنايا القصص مصداقاً لبيت أبي العتاهية:

(حلاوتُها مَمزوجةٌ بِمَرارَةٍ *** وراحَتُها مَمزوجَةٌ بِعَناءِ)!

    يصف الناعوري في قصة “المُخَمِّن” مثلاً، صورة أبي شاهر مخمن بيادر القرية، “ولقد تعاقب على القرية مخمنون كثر، ولكن أبا شاهر ظل أعلقهم بذاكرة القرية، وأوسعهم شهرة لدى أهلها. فلقد تكررت زياراته للقرية في أيام البيادر سنين متعددة، في العهد العثماني وما بعده، إلى أن توفي بمرض لم يمهله كثيراً، ولما يتجاوز الأربعين من عمره”. اشتهر أبو شاهر بشراهته، إذ كبَّدَ القرية المآدب والضيافات، بإزاء الضرائب الباهظة التي يدفعها الفلاحون عن بيادرهم، مضافاً إليها ما يطلبه أبو شاهر ورفاقه من البيض والجميد والخضار والفواكه… ويقولون في القرية عن موته: ” أنه لم يمت إلّا من دعوات أبي رباح التي رفعها بحرقة إلى عرش الله وهو يجود بأنفاسه في لحظات الاحتضار. ولكن في الحقيقة أن أبا شاهر لم يمت من دعوات أبي رباح وحدها: فعوني يذكر أن هناك أرملة أيضاً تدعى ” أم مصلح” كانت في القرية، وقد ظلمها أبو شاهر مرة في تخمينه لبيدرها الصغير؛ فظلت تدعو عليه طول عمرها، وتسأل الله أن يريحها منه ويريح القرية. وحين مات أبو شاهر كانت أم مصلح ما تزال حية، تصب عليه لعناتها المحرقة”.

    بإعادة شعار مكتبة الأسرة الأردنية، “القراءة للجميع” نعد الهدف منه: دعوة جميع المجتمع باختلاف تكوينه على القراءة، وإمداده بالكتب. كما ومما لا شك أن (للجميع) أي اقرأوا لجميع الأدباء الأردنيين الذين ساهموا ورسخوا في ذاكرة الثقافة وحاضرها، ممن سعت الوزارة إلى نشر أعمالهم وتمكين القراء من الحصول عليها، عبر قائمةٍ متنوعة ثريّة تلبي حاجة القارئ وتغطي اهتماماته، ومثالها: أعمال الأديب عيسى الناعوري.

Views: 94

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى